يقف أبو براء ٤٢ عاماً حائراً أمام باب البقالة كل يوم، ينظر في قائمة المشتريات التي تطول ويبحث عما يناسب دخله المحدود ليحمله لأسرته، حيث أنه بالكاد يستطيع تأمين صنف أو اثنين من قائمته تلك.
يقول أبو براء: أتقاضى مايقارب الخمسة آلاف ليرة سورية يوميا "ما يعادل ١.٥ دولار أمريكي" من جراء عملي في إصلاح الأحذية، وبالكاد أستطيع شراء صنف واحد يوضع على مائدة الطعام.
وتابع: لدي سبعة أبناء جميعهم في المدرسة واكبرهم سناً براء ذو الخمسة عشرعاماً، وأرفض بشكل قطعي زجهم في العمل، وأرى نفسي مجبراً على العمل بمفردي مع العلم أن لدي إصابة في قدمي تعيقني كثيراً في صنعتي التي ازدهرت كثيراً في الآونة الأخيرة ،فكثير من الزبائن بات يفكر ملياً قبل شراء أي حذاء جديد طالما أنه لايزال بالإمكان إصلاحه "ليمشي الحال".
وبحسب تقرير لجريدة الوطن المحلية في آذار الماضي باتت الكثير من الأصناف المعيشية الأساسية تُسعر بالدولار الأمريكي بشكل ديناميكي لا يقبل الشك على الإطلاق، وأصبح من المستحيل لدى الكثير من العوائل مجاراة قفزات أسعارها، وخصوصاً بعد زيادة رواتب الموظفين الأخيرة التي دفعت بأسعار السلع للتحليق بشكل مخيف بنسبة زيادة بلغت ٥٠ %.
قيس نجيب ٦٥ عاماً طبيب أسنان يعمل في عيادته التي يملكها لثماني ساعات متواصلة كل يوم، بات يعاني كثيراً في تأمين ما تحتاجه أسرته الصغيرة نسبياً قياساً لباقي العوائل السورية.
يقول الدكتور قيس : بات عدد زبائني في العيادة محدود للغاية ويتناقص تدريجياً، بحيث أصبح يقتصر على ميسوري الحال فقط ،وعلى غير المعتاد يتحرى معظم مرتادي عيادتي عن تكلفة إصلاح أسنانهم مسبقاً قبل أن يفتح فاهه ويشير إلى الضرس المصاب، وفي كثير من الأحيان يعتذر عن البدء في الإصلاح، ويكتفي بطلب العلاج المخفف للألم والمزيل للإلتهاب ،حيث أن تكلفة "سحب العصب" و"التجهيز للتلبيس" بلغت ٥٠ ألف ليرة سورية، وهذا ما لا يطيقه الكثير من المراجعين.
أزمة مواصلات
فقيه دالاتي ٤٧ عاماً معلم مجاز في اللغة الإنجليزية يمارس عمله في مدرسة تبعد عن مكان إقامته الحالية خمسة كيلومترات، يقول فقيه : أضطر بشكل يومي أن أستيقظ باكراً لتلافي التأخر عن مدرستي، حيث أنني أقطع المسافة مشياً على الأقدام حتى أتلافى أجرة التكسي "١٠ آلاف ليرة سورية" ذهاباً وإياباً، وليس باستطاعتي حتى أن أستقل وسائط النقل الداخلي لندرتها ،وإن فعلت لا أجد في جيبي ما أدخره لتأمين الأصناف الضرورية اللازمة لمعيشة أفراد أسرتي فالقائمة تطول.
أضاف دالاتي: أفكر الآن وبشكل جدي في الهجرة خارج البلاد، لعلي أستطيع أن أنفق على إبني وأخته الكبرى اللذان دخلا الجامعة مؤخراً، وإلا فسأخسر مستقبل أبنائي الدراسي، ويتوجب علي الآن أن أتحمل مسؤولياتي تجاههم كأب ومربي، بما يضمن لهم العيش الكريم، فلا مناص من هجرتي وحيداً.
وحيث أن موضوع الهجرة بات شائعا لدى الكثير من العوائل السورية في الداخل، إلا أنه لايزال من اللاأخلاقيات لدى البعض بحيث يعتبرونه هروباً نحو الأمام ،هذا عدى عن المساءلة الأمنية.
وفي ظل الأزمة المعيشية الخانقة التي يعاني منها جميع السوريين في الداخل لجأت الكثير من العوائل السورية إلى تهجير فلذات أكبادها قسراً، كي يعينوهم في تحمل أعباء المصاريف اليومية التي بات تأمينها حكراً على أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والمتنفذين في الحكومات.
وبحسب تقدير للأمم المتحدة في مطلع العام الجاري بلغ عدد السكان المحليين في سوريا ١٥ مليوناً نصفهم من الإناث، مما يعني أن الكثير من الذكور فضلوا الهجرة القسرية على البقاء وتحمل ويلات المعيشة القاتلة.
وبحسب استطلاع أجريناه على مايقارب المئة عائلة في الداخل السوري، وصلت نسبة العاطلين منهم عن العمل ٦٠% ومعظم تلك الأسر باتت تنتظر تحويلات أبنائها العاملين خارج البلاد.
وبات شغلهم الشاغل متابعة شاشات العملات الأجنبية كي يحددوا الوقت المناسب لتصريف مبالغ التحويلات التي تردهم إلى الليرة السورية والتي يصل معظمها عن طريق شركات محلية غير مرخصة، رغبةً منهم في الالتفاف على القرار الحكومي الذي يقضي باستلام مبالغ التحويلات بالليرة السورية حصراً، وبذلك يستطيعوا المحافظة على المبالغ المحولة من الانكماش مع تدهور سعر صرف الليرة السورية الذي بات يسجل أرقاماً قياسية جديدة مع كل صباح.
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.