الليرة السورية رهينة "العناية المركزة" والدولار يستقوي
أخبار اقتصاديةهوت العملة السورية بمعدلات جديدة، فبعد استقرار نسبي لصرف الليرة طوال الأشهر القليلة الماضية، سرعان ما بدأت بالسقوط أمام الدولار الأميركي من دون توقف، لتتخطى عتبة أربعة آلاف مقابل الدولار الواحد.
واستفاق السوريون اليوم على رقم جديد وصل إلى 4500 ليرة مقابل العملة الأميركية، مع توقعات بمواصلة عجلة السقوط نحو حدود خمسة آلاف، ما لم يتدخل البنك المركزي كما جرت العادة لكبح جماح التدهور.
البنك المركزي المسؤول عن رسم السياسة النقدية للبلاد يلقي باللائمة على النشاط المتزايد للمضاربين في الأسواق، إذ لم تتوقف عمليات المضاربة منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، حين كان الدولار الواحد يعادل 50 ليرة فقط.
ويكتنف الغموض إجراءات التدخل الحكومي لوقف الانهيار بالتزامن مع إجراء مزادات علنية لبيع سندات الخزانة العامة في التاسع من أغسطس (آب)، إذ اكتفت إدارة المصرف المركزي ببيان مقتضب قبل أيام "عن متابعتها ومراقبتها عمليات التداول"، ووعدت بالتدخل لوضع حد للمضاربين ومن وصفتهم بـ"المتلاعبين بسعر الصرف".
سندات الخزانة في المزاد
يتوقع اقتصاديون مآل التراجع في الصرف إلى تضخم متزايد، وتدن شاسع في القدرة الشرائية للمستهلكين، مع تخبط في سعر الصرف لا سيما وجود سعرين في الأسواق: الرسمي ويبلغ 2500 ليرة، وغير الرسمي وهو الرائج ويصل لـ4500 ليرة مقابل الدولار الواحد.
يعتقد أستاذ العلوم المالية والمصرفية، الصناعي حنا جبارة، أن التدخل المرتقب لـ"المركزي" وإن أعاد الليرة إلى سابق عهدها قبل أشهر، أي أربعة آلاف أو 3800 ليرة مقابل الدولار، فلن يجدي إلا لمدى قصير ومحدود، وسرعان ما سيعود المضاربون، وهنا يكمن ما يمكن وصفه بـ"الثغرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول جبارة إن "ما يحدث عقب كل انخفاض أن يتدخل (المركزي) ويضخ كميات من النقد الأجنبي لوقف التدهور وإعادة الأمور إلى مستوى قريب من حيث الصرف، وإلى اليوم لم تشهد العملة تحسناً حقيقياً من باب انتعاش الإنتاج، واتجهت الحكومة لبيع سندات الخزانة عبر مزادين مع تدني عدد العارضين، ومنها ستة مصارف عامة وخاصة شاركت بأحد المزادات".
وتهدف وزارة المالية من بيع السندات عبر أربعة مزادات إلى ضرورة تمويل الإنفاق الاستثماري للقطاع العام، وإيجاد فرص استثمارية للقطاع الخاص والمصرفي على قلته بعد نشوب الحرب.
وفي الثامن من أغسطس الحالي أجري المزاد الثاني للأوراق المالية في وقت ما زالت المصارف تمثل 90 في المئة من حجم المكتتبين على سندات الخزانة، وفق ما أشار مدير الإيرادات العامة في وزارة المالية أنس علي، الذي توقع "زيادة حصة الأفراد من الاكتتاب بالمزادات القادمة".
بين صغار وكبار المضاربين
في غضون ذلك، تعتمد السياسة النقدية أسلوباً صارماً منذ سنتين في أعقاب انهيار الليرة في السوق عبر التشدد في تداول القطع الأجنبي، وصدر لهذه الغاية قانون 3 و4 لعام 2020، ويقضي بتشديد عقوبة من يذيع أو ينشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة عن سعر الصرف مغايرة للأسعار المحددة بالنشرات الرسمية.
ويتشدد القانون في معاقبة المروجين لأسعار صرف غير رسمية بالحبس المؤقت وغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة (أكثر من ألف دولار بحسب سعر الصرف غير الرسمي).
ويجزم جبارة بأن مرد التدهور بالأساس إلى ضعف الإنتاج من جهة، وانخفاض غير مسبوق في حجم التصدير من جهة أخرى، وهو أمر أقرته وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
وحول أبرز الحلول لتفادي تهاوي الليرة تحدث قائلاً "من الممكن تحسين مستوى الصرف عبر اتباع إجراءات غير تقليدية كالاهتمام بالصناعة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إجراءات إسعافية، أولها الضرب بيد من حديد على أيدي كبار المضاربين، وليس الاقتصار على ملاحقة الصغار منهم، والتخفيف من الهدر والفساد، وملاحقة حيتان المال العام وحديثي النعمة من أمراء الحرب الذين جنوا ثرواتهم من خلال الصراع".
ويضيف "مع كل ذلك، لا بد من وضع حد للتهرب الضريبي، واعتماد نهج للحصول على موارد البلاد الطبيعية والتخفيف من هدرها، فالخزانة تتكبد أعباء هائلة باستيراد كميات كبيرة من القمح والنفط والمواد الخام كلها بالعملة الأجنبية، ما استنزف الخزانة بلا شك، علاوة على توفير بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال، أو إعادة رؤوس الأموال المهاجرة بتقديم تسهيلات لها من أجل العودة، وإلا ستواصل الليرة انهيارها بشكل متسارع مع ضعف اقتصاد البلاد".
الحوالات المصرفية
إزاء ذلك تعيش البلاد أقسى ظروفها الاقتصادية من حصار مطبق أوروبي وأميركي، مع حدود برية مقفلة، وشبه تعطل للملاحة البحرية والجوية وشلل يصيب الحركة التجارية، واعتماد سوريا الغارقة في الديون على الاستهلاك بعد أن كانت من أوائل الدول المنتجة عربياً قبل الحرب.
بالمقابل، ضاعف "المركزي" في أبريل (نيسان) عام 2021 سعر الصرف الرسمي وسعر الحوالات بنسبة 100 في المئة لتصبح 2500 ليرة مقابل الدولار الواحد تشجيعاً لإجراءات التحويل عن طريق الأقنية المصرفية الرسمية.
وفي الوقت الذي يحظر التعامل بالدولار لضبط حركة النقد الأجنبي والتخفيف من تهاوي الليرة، أصدر البنك المركزي في فبراير (شباط) من العام الحالي شروطاً لتسلم الحوالات الخارجية للمواطنين والتجار والصناعيين، فالحوالة المصرفية لما فوق خمسة آلاف دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية يتسلمها المستفيد إما بذات العملة التي وردت بها وإما بما يعادلها بالليرة.
ويمكن القول إن عملة البلاد تعيش في العناية المشددة بعد أن وصلت إلى أدنى مستوى لها، وسط تدهور وعجز مالي غير مسبوق يزداد معهما التضخم، وهجرة الصناعيين إلى بلدان مجاورة، أو إلى مصر مع توفير نقاط جذب للاستثمار الأجنبي بها، بينما يعول الفريق الاقتصادي على الحلفاء الروس والإيرانيين والصينيين.
المصدر: اندبندنت عربية