لماذا تهرع كل من تركيا والسعودية لشراء عشرات الأطنان من الذهب؟
مع التراجع الكبير الذي تشهده أسعار الذهب عالمياً، يتزايد الطلب على المعدن الأصفر من دول الشرق فيما يتخلص المستثمرون الغربيون من السبائك.
يأتي ذلك، فيما يقلل ارتفاع أسعار الفائدة جاذبية الذهب كاستثمار، ويعني أن كميات كبيرة من المعدن يتم سحبها من الخزائن في المراكز المالية مثل نيويورك تتجه شرقاً لتلبية الطلب في سوق الذهب في شنغهاي أو البازار الكبير في إسطنبول.
وأظهرت البيانات التي جمعتها “بلومبرغ”، أن كميات كبيرة من الذهب اشترتها تركيا، والسعودية في الشرق الأوسط، منذ إبريل/ نيسان الماضي، بلغت 62 طنا لتركية، و20 طنا اشترتها المملكة العربية السعودية.
يعد دوران المعدن حول العالم جزءاً من دورة سوق الذهب التي تكررت لعقود: عندما يتراجع المستثمرون وتنخفض الأسعار، يرتفع الشراء الآسيوي وتتدفق المعادن الثمينة شرقاً – مما يساعد على وضع أرضية لسعر الذهب خلال أوقات الضعف، وعندما يرتفع الذهب في النهاية مرة أخرى، يعود الكثير منه ليقبع في خزائن البنوك تحت شوارع نيويورك ولندن وزيورخ.
ومنذ أن بلغت أونصة الذهب ذروتها في مارس/ آذار، تراجعت أسعار الذهب بنسبة 18% حيث تسببت الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي في تصفية جماعية من قبل المستثمرين الماليين.
وتدفقت أكثر من 527 طناً من الذهب من خزائن نيويورك ولندن التي تدعم أكبر سوقين غربيين منذ نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
وفي الوقت نفسه، تتزايد الشحنات إلى مستهلكي الذهب الآسيويين الكبار مثل الصين، التي سجلت وارداتها أعلى مستوى لها في 4 سنوات في أغسطس/ آب.
وبينما يتجه الكثير من الذهب شرقاً، فإنه لا يزال غير كافٍ لتلبية الطلب. إذ تم تداول الذهب في دبي وإسطنبول أو في بورصة شنغهاي للذهب بعلاوة متعددة السنوات مقارنة بمؤشر لندن القياسي في الأسابيع الأخيرة، وفقاً لـ MKS PAMP، في إشارة إلى أن الشراء يفوق الواردات.
وفي الهند، تشهد الفضة علاوة تأمين كبيرة. إذ ارتفع الفارق مؤخراً إلى دولار واحد، أي أكثر من 3 أضعاف المستوى المعتاد، وفقاً لشركة الاستشارات Metals Focus Ltd.
يعتبر الذهب حالياً في الدرجة الأولى على أنه وسيلة للتحوط، ويسارع المستثمرون لشرائه بكميات كبيرة عندما تشهد بلادهم مستويات عالية من التضخم أو مع اضطراب أسواق الأسهم بفضل قدرته العالية على الاحتفاظ بالقيمة كونه أحد المعادن النادرة.
يقول المركزي الهولندي في أحد تقاريره: “نحن نثق بالذهب، وهو يمنحنا شعور بالأمان، فلو انهار النظام المالي للدولة بأكمله سيكون احتياطي الذهب فرصة للبدء من جديد”. ووصف الذهب في هذا السياق بأنه “منارة للثقة”.
ترتبط قيمة عملة الدولة بقوة بصادراتها ووارداتها، فإذا تجاوزت قيمة واردات البلاد صادراتها سيشكل ذلك ضغطًا هبوطيًا على عملتها، والعكس بالعكس. من هذا المنطلق فإن أسعار الذهب العالمية تؤثر على البلدان المصدرة والمستوردة.
بالتالي، فإن البلد الذي يصدر الذهب سيشهد قوة في قيمة عملته عندما ترتفع أسعار المعدن الثمين، لأن ذلك يزيد القيمة الإجمالية لصادراته ويمكن أن يخلق فائضاً تجارياً لديه ويعوض العجز.
أما البلدان التي تشتري الذهب، تطبع المزيد من العملة لهذه المهمة وقد تخاطر بارتفاع نسب التضخم لهذا السبب. لكنها إن أحسنت استخدام أوراق اللعبة في وقتها الصحيح فسيكون اكتناز الذهب بمثابة حاجز أمان متين لاقتصادها وعملتها في أوقات الأزمات، فالدول تتعامل مع الذهب بشكل شبيه لما يفعله أي تاجر عادي، تحاول الشراء عند الوفرة والرخص، وتبيعه عندما يعلو ثمنه وتزيد حاجتها إليها.
وهذا ينقلنا للنقطة الثانية، أن أحد فوائد الذهب الرئيسية عدا عن كونه تحوطاً من التضخم، أنه يمكن أن يكون درع أمام تدهور قيمة العملة للدولة التي تمتلكه. ونرى مثالاً على ذلك تركيا والهند اللتان تحاولان اللجوء إلى الذهب لإسناد عملتيهما على أرضية اقتصادية متينة.
تعمل البنوك المركزية الخاصة بالدول المنافسة لأمريكا، وخاصةً تلك الموجودة في روسيا والصين، على زيادة احتياطاتها من الذهب قدر الإمكان في الآونة الأخيرة. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بسبب التوترات التجارية وعدم اليقين في السوق.
ونرى على قائمة أكبر احتياطيات الذهب في العالم، روسيا في المركز السادس والصين في السابع (باعتبار صندوق النقد الدولي في المركز الثالث).
وما ترمي إليه روسيا والصين من ذلك ليس مجرد تخزين للتحوط أو للاستثمار أو ما شابه، بل إنهما يرغبان عاجلاً أم آجلاً بتحدي هيمنة الدولار الأمريكي. فالتاريخ يثبت أن الدولة التي تدعم عملتها باحتياطيات ضخمة من الذهب لا بد من أخذها على محمل الجد، ولن يمكن التفكير بتحدي عملة تمتلك سلطة وهيمنة الدولار بدون بنوك ومخازن ممتلئة بالذهب.
المصدر: هاشتاغ 24
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.