كما في الأفلام.. هكذا هرب شبان من طائرة ولجأوا إلى إسبانيا
أخبار اقتصاديةالحلم الأوربي، هذا ما يسعى إليه الشباب العربي اليوم مهما كلف الثمن، وبأي طريقة كانت بغض النظر عن المخاطر.
ويعتبر الشباب المغربي هم الأوفر حظاً بين الشباب العرب والأقل فرصة في ذات الوقت.
إذ يحاولون الوصول للجانب الآخر من العالم –كما ينظرون إليه- متمثلاً بشمال البحر المتوسط والذي يرونه يومياً وهم في بلادهم.
فما تفاصيل قصة الهروب؟
خطة للهروب أقرب للخيال
في طريقة لا تخطر على بال، قرر مجموعة من الشبان المغاربة الوصول إلى إسبانيا.
وبخلاف مما اعتدنا سماعه عن سفر الشباب في عرض البحر.
فقد قرروا هذه المرة النأي عن هذا الطريق، والبعد من مخاطره.
فحجزوا تذاكر سفر مباشرة إلى إسطنبول.
وخلال الرحلة تعرض أحد المسافرين لحالة مرضية كونه مريض سكري.
مما اضطر مدير الرحلة للهبوط في أحد المطارات الإسبانية بقصد إسعاف المصاب، وهنا حصلت المفاجأة الغير متوقعة.
إذ أنّه بعد هبوط الطائرة المفاجئ وصعود الفريق الطبي لإسعاف المريض أسرع الشبان نحو الباب ونفذوا هروب جماعي مما تسبب بحالة هلع بين المسافرين.
وبسرعة كبيرة تجاوز الشبان سياج المطار ليختفوا هاربين، هذا ما أدى لشل حركة المطار مدة 3 ساعات بحثاً عن الشبان الفارين دون جدوى.
إلقاء القبض على الشبان
بعد ساعات من الحادثة أعلنت السلطات الإسبانية إلقاء القبض على الشبان الهاربين، وذكرت:
"اعتقلت القوات الأمنية 11 مسافر كانوا على متن رحلة جوية عقب هبوطها اطرارياً في مدينة بالما الإسباينة.
عقب بلاغ كاذب عن حالة طوارئ طبية، فيما تواصل البحث عن 13 آخرين وفقاً لما ذكرته السلطات الأمنية لوكالة "إفي" الإسبانية."
حين يلفظك العالم ويحتضنك المطار 18 عاماً
"مهران كريمي ناصري" هو اسم كان يمكن أن يكون مجرد رقم ضمن مئات أسماء المعارضين التي تحولت إلى أرقام في سجون الشاه الإيراني "محمد رضا بهلوي"، لكنه عِوَض ذلك أصبح سجين الصالة رقم "1" في مطار "شارل ديغول" الفرنسي لمدة لا تقل عن 18 عاما.
يظهر وجه مهران كريمي ناصري ذي الملامح الحادة في صورة التُقطت له في ركنه في مطار شارل ديغول محاطا بأغراض مرصوفة بشكل فوضوي وأخرى اتكأ عليها، أمامه طاولة عليها كوب قهوة.
ولا شيء في الصورة يوحي أن الرجل في صالة المطار وليس في غرفة غير مرتبة سوى عربة الأمتعة التي اتخذت مساحة كبيرة من الصورة.
يبدو المسافر الإيراني مستعدا للرحلة، لكن لا أحد تخيل أن جلوسه في ذلك المكان سيستغرق 18 عاما.
بدوره لم يكن يخطر في باله أنه في الثامن من أغسطس/آب 1988 ستنقلب حياته رأسا على عقب، وأنه سيكون سجين إحدى صالات المطار الفرنسي.
اللاوطن.. لعنة أبدية
يبدو أن الحظ السيئ كان قرين ناصري، والبداية كانت في انتقاله إلى بريطانيا عام 1973، ففي مارس/آذار 1974 شارك في مظاهرة في بريطانيا ضد الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، وبعد قرابة عام اضطر للعودة إلى بلاده، لكنه اقتيد من مطار طهران إلى سجن "إيفين" الذي قضى فيه أربعة أشهر، ثم طُرد من إيران بعد أن افتكّ منه جواز سفره حسب روايته.
حاول مهران كريمي ناصري طيلة ستة أعوام بعد نفيه وعودته إلى أوروبا الحصول على اللجوء لكنه فشل، حيث رفضت خمس دول أوروبية طلبه، وهي ألمانيا الغربية وهولندا عام 1977، وفرنسا عام 1978، وإيطاليا عام 1979، وأعاد طلب اللجوء في فرنسا عام 1980 لكنه قوبل بالرفض، وطردته بريطانيا بعد رفضها طلبه الحصول على الإقامة.
أراد ناصري البقاء في أوروبا بكل الطرق، وذلك بعد أن أصبح مطرودا من بلده، حيث اختبر تجربة اللاوطن التي قال فيها الشاعر الكبير مظفر النواب:
"سبحانك كل الأشياء رضيتُ سوى الذل
وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان
وقنعت يكون نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير
ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان.. وتعود إليها
وأنا ما زلت أطير.. فهذا الوطن الممتد من البحر الى البحر
سجون متلاصقة
سَجَّان يمسك سَجَّان".
إيراني يُلهم السينما الغربية
ألهم مهران ناصري -أو السير ألفرد- مخرجي أفلام سنيمائية وكتّابا كثرا، ونقل قصته المخرج الفرنسي فيليب ليوري عام 1994 الذي استلهم فيلمه "من السماء" (Tombé Du Ciel) من حكاية الرجل.
حيث عاش المسافر "أرتورو كونتي" طيلة يومين مُغامرة مرعبة صوّرها المخرج بشكل كوميدي، وذلك بعد أن علِق في صالة مطار شارل ديغول الفرنسي إثر سرقة حافظة أوراقه هناك.
جسّد دور أرتورو الممثل الفرنسي جون روكفورت الذي قابل مجموعة من الأشخاص العالقين في المطار منذ زمن طويل.
وهم كوبية محكوم عليها بالنفي من بلادها، وفتى غينيّ، وإثيوبي لا يجيد سوى لغة "غريبة"، وشخص آخر يظهر عليه بعض الجنون يكتب مذكراته. كان أربعتهم دون أوراق قانونية.
لكن أربعتهم خلقوا عالما خاصا بهم وشكلوا مجموعة متضامنة، وشاركهم أرتورو كونتي الذي اكتشف أن مشاكله الشخصية لا قيمة لها أمام الوضع الذي يعيشه الأربعة.
ولم يُبلغ المخرج رسالة محددة، لكنه صوّر القصص الغريبة لهؤلاء بشكل عاطفي وكوميدي في الوقت ذاته.
كما كانت حكاية مهران ناصري مصدر إلهام للمخرج ستيفن سبيلبيرغ في الفيلم الشهير "ذي تيرمينال" (The Terminal) سنة 2004، وقد أدى فيه دور البطولة الممثل توم هانكس الذي جسّد دور فيكتور نافورسكي،.
وكان حظه سيئا مثل ناصري، فمجرد حلوله بمطار جون كينيدي بنيويورك حصل انقلاب في بلده في أوروبا الوسطى، ومُنع من دخول الولايات المتحدة، كما لم يستطع الرجوع إلى بلاده بعد إغلاق حدودها.
هذا الوضع جعل فيكتور يبحث عن التأقلم مع وضعه الجديد، وذلك عبر تقديم خدمات صغيرة لكسب بعض المال، ودخوله في صراع مع المدير المؤقت للمطار الذي حاول طرده من هناك.
ودفعه لمغادرته حتى يصبح دخوله إلى الأراضي الأمريكية غير شرعي، لتنتقل مشكلة فيكتور إلى أروقة إدارة أخرى خارج المطار، غير أن فيكتور رفض وصارع من أجل البقاء في ذلك العالم الجديد، حتى إنه قابل امرأة هناك وأحبها.
لم تكن هناك إشارة إلى ناصري في الفيلم الذي قال إنه أحبّ الذهاب إلى الولايات المتحدة بعد خروج الفيلم، غير أنه نقل في جزء منه البيروقراطية حينا والعنصرية حينا آخر، وتلك الترسانة الهائلة من قوانين حراسة الحدود التي يطغى فيها الهاجس الأمني على الجانب الإنساني.
قصة ناصري الذي طُرد من بلاده وبقي عالقا في مطار شارل ديغول بسبب ضياع وثائقه كلاجئ، شبيهة في جانب منها بقصة اللاجئة الكوبية في الفيلم الفرنسي "من السماء".
كما أنها تتشارك مع قصة فيكتور نافورسكي في فيلم "ذي تيرمينال"، ومع قصة الرضيع ألان الكردي وملايين المهاجرين والهاربين من جحيم اليأس في بلدانهم والعالقين في الحدود في مواجهة قوانين صارمة من جهة وفوهات بنادق حراس الحدود أو بطون الحيتان من جهة أخرى.