يدرك الجميع أن إنقاذ حياة شخص واحد هو عمل بطولي، فماذا إذن عن إنقاذ حياة ملايين الأشخاص وتحديدًا ملايين الأطفال؟
هذا ما قد يجعل جيمس هاريسون، بطل أستراليا القومي، والذي كان سببا في نجاة ما يزيد على مليوني طفل.
ولد جيمس هاريسون في أستراليا سنة 1936، حيث مرت سنوات طفولته بصورة تقليدية حتى مرحلة المراهقة.
في الرابعة عشرة من عمره، خضع جيمس هاريسون لتدخل جراحي خطير على مستوى الصدر تطلب حصوله على 13 لترا من دماء متبرعين.
ومع نجاح العملية واستعادته لوعيه، قضى الأخير 3 أشهر كاملة بالمستشفى أدرك خلالها دور دم المتبرعين في إنقاذ حياته.
وأمام هذا الوضع، وعد جيمس هاريسون بالتبرع بدمه بشكل دوري حال بلوغه الثامنة عشرة أي السن القانونية للتبرع.
لم يكن يتوقع جيمس هاريسون حينها أن يكون قراره الملهم بالتبرع بدمه، هو سر شهرته ونجوميته فيما بعد.
فبينما كان يذهب بشكل دوري وعلى مدار سنوات، للتبرع للمحتاجين إلى الدم، فوجئ الطبيب الذي قام بفحص دمه بأنه يحتوي على أجسام مضادة بإمكانها وقاية الأطفال الصغار من الموت.
وجد الأطباء بعد المزيد من الفحص، أن بلازما دم جيمس هاريسون، تتكون من مضادات قادرة على حماية الأطفال من أحد أخطر الأمراض المتعلقة بفقر الدم.
وهو مرض ريسوس، الذي أصاب أعدادًا لا حصر لها من حديثي الولادة ليؤدي إلى معاناتهم من التلف بالدماغ والشلل ثم الموت.
ذكرت مجلة «Mosaic Science» المتخصصة في العلوم الطبية إلى أن نحو 40 شخصا فقط على كوكب الأرض يتمتعون بفصيلة دم ثمينة ومنقذة للحياة في عروقهم.
ومن المعروف طبيا أن خلايا الدم الحمراء تحمل الأكسجين إلى جميع خلايا والأنسجة في الجسم، وإذا فقد أي شخص الكثير من الدم في جراحة أو حادث، فهو يحتاج إلى المزيد من الدم على نحو سريع.
وأوضحت المجلة الطبية أن هناك 35 نظام في فصيلة الدم، تم تنظيمها وفقا للجينات التي تحمل المعلومات الجينية لإنتاج مستضدات داخل كل نظام.
ولكن إذا كان هناك مستضد معين مفقود في خلايا الدم الحمراء الخاصة بك، فأنت تعتبر «سلبي» لهذا المستضد٫ وإذا تلقيت دما من متبرع «إيجابي»، قد تتفاعل الأجسام المضادة الخاصة بك مع خلايا الدم المانحة مما يتسبب في رد فعل من نظام المناعة٫ ومن الممكن ان تكون تلك التفاعلات قاتلة.
وبعد عدة عمليات تبرع قام بها “جيمس هاريسون" اكتشف الأطباء أمرا فريدا من نوعه.
حيث احتوى دم هذا المواطن الأسترالي على العنصر المضاد Anti-D (مضاد دي) الذي اعتبر عنصرا أساسيا لحدوث التوافق بين دم الأم ودم الجنين برحمها في الحالة التي تكون فيها فصيلة دم الأم موجبة وفصيلة دم الجنين سالبة، أو العكس.
وبسبب ذلك، صنّف دم جيمس هاريسون بالنادر والمميز فحصل على تأمين لحياته بلغت قيمته مليون دولار.
«هذا هو الدم الذهبي»، هكذا وصفه الدكتور تيري بيرارد، مدير المختبر الوطني للدمويات المناعية في باريس، فرغم أنه من النادر إيجاده، ولكن لديه قدرة هائلة على إنقاذ حياة المرضى الميؤوس من حالاتهم.
أثار اكتشاف الأطباء المبهر بخصوص حالة جيمس هاريسون المحيرة والملهمة في وقت واحد، اندهاش الملايين من الأستراليين، لكنه أثار حماسة هاريسون نفسه من أجل تخصيص وقته للتبرع بالدم وبأكبر كميات ممكنة، أملًا في تغيير مسار مظلم قد يواجهه الأطفال المرضى، ليحمل لقب الرجل ذي الذراع الذهبية.
لم يدرك الأطباء سر حالة جيمس هاريسون، والتي جعلت منه بطلًا قوميًا في أعين سكان بلاده، لكن أغلب التوقعات رجحت أن تكون الجراحة التي تعرض لها في الصغر، والتي تطلبت حصوله على تبرعات أشخاص عدة بالدم، منحته القدرة العجيبة التي استغلها لاحقًا بأفضل صورة ممكنة.
ربما كان حلم جيمس هاريسون هو الاستمرار في التبرع بدمائه حتى الرمق الأخير، إلا أن قوانين التبرع في أستراليا حالت دون ذلك.
نظرًا لأنها تنص على عدم جواز تبرع الشخص بدمه إن تخطى عامه الـ81، ليتوقف أخيرًا البطل الأسترالي العجوز عن مهمته الجليلة منذ سنوات قليلة.
يشير العلماء إلى أن رحلة هاريسون المثمرة غيرت الكثير من الأمور في أستراليا، في إشارة إلى أن الآلاف من الأطفال حديثي الولادة كانوا يتعرضون للوفاة بصفة سنوية حتى عام 1967، فيما كان الأسوأ من ذلك هو عدم معرفة الأطباء بسر الوفيات من أجل خفض أعدادها.
جاء الاكتشاف الملهم في دماء هاريسون إذن ليوقف نزيف الدماء المستمر.
حيث تؤكد الإحصاءات أن عدد الأطفال الذين تم إنقاذهم بفضل تبرعات جيمس هاريسون، يتجاوز الـ2 مليون طفل.
لذا استحق الأسترالي الثمانيني كل التكريمات التي حظي بها، ومن ضمنها وسام أستراليا الذي يعد الأعلى مكانة في البلاد.
يرى جيمس هاريسون أن رحلته لم تنته رغم إلزامه باعتزال التبرع بالدم، في إشارة إلى توعيته للمواطنين بضرورة التبرع بالدماء التي قد تصبح سببًا مباشرًا في إنقاذ حياة الآخرين.
مشددًا على القيمة العظيمة التي يشعر بها الشخص إن نجح في مساعدة غيره عبر هذا الفعل، علمًا بأنه ساعد ابنته على ولادة حفيده بأمان تام عبر تبرعه بالدم، ليستفيد هو وأسرته من قدراته الفذة.
يقول جيمس هاريسون: "أشعر بالتواضع والفخر في آن واحد، حينما أسمع كلمات تمدح مهمتي الحياتية، حيث أصبح في غاية السعادة إن أدركت أنني كنت سببًا في استمرار حياة شخص ما، لكنها في النهاية موهبتي الوحيدة على ما يبدو، أن أتبرع بالدم".
في الختام، يبقى جيمس هاريسون هذا العجوز الثمانيني الملهم، من أسباب إنقاذ حياة ملايين الأطفال الصغار الذين صار من بينهم الآن من هم في مرحلة الشباب والمراهقة.
لذا يظل اسمه محفورًا في وجدان أبناء بلاده بحروف من ذهب، باعتباره النموذج المثالي والمحفز دومًا للمتبرعين بالدماء من حول العالم.
المصادر: مواقع + العربية + سيدتي
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.