استمر المصريون القدماء لأكثر من 1000 عام في تشييد الاهرامات، لكن ثمة سؤال ملح يطرح نفسه: لماذا بنى المصريون هذه الأهرامات؟ ولماذا توقفوا؟
يحاول الباحث في علم الآثار "أوين جاروس" استنتاج الأسباب، وهذا ما سوف نتعرف عليه في مقالنا.
إن أغلبية الفراعنة قد تم دفنهم تحت الأهرامات أو داخلها، لذلك قد يبدو أن السبب الرئيسي لبناء الأهرامات، هو تكريم أجساد الفراعنة بعد موتهم، معتقدينَ أن أجسامهم قد تبعث كما دُفنت.
بدأت عمليّة بناء الأهرامات في مصر على يد الفراعنة في عهد الملك "زوسر" الذي حكم بين عام 2630 و2611 قبل الميلاد، حيثُ بدأ الملك زوسر ببناء أول هرم متدرج في منطقة تدعى سقارة.
واستمرّ الفراعنة ببناء الأهرامات إلى عهد الملك "أحمس الأول" الذي حكم بدءاً من عام 1550 إلى عام 1525 قبل الميلاد، والّذي قام قبل موته ببناء الهرم الملكي الأخير في منطقة أبيدوس (محافظة سوهاج حاليًا).
على الرغم من الأهرامات المصرية قد قدمت قوّة كبيرة للفراعنة، ورّسخت معتقداتهم الدينية كثيراً في ذلك الوقت، إلا أنهم قد توقفوا عن عمليات التشيّيد والبناء بعد نهاية حكم الملك أحمس الأول بقليل.
أشار أوين في تقريره، إلى أن الفراعنة بعد توقفهم عن تشييد أهرامات جديدة لسبب غير معروف، قاموا بالتوجّه لدفن ملوكهم في منطقة وادي الملوك، الموجودة قرب العاصمة القديمة في مصر، والتي تسمى الآن "الأقصر".
وحسبَ ماجاء في شرح تقرير "أوين" أن المقبرة الملكية الأولى في وادي الملوك قد قام ببناءها الملك "تحتمس الأول" والّذي حكم من عام 1504 إلى عام 1492 قبل الميلاد.
أشارَ أيضا إلى ان الملك "تحتمس الأول" قد اتخّذ الفكرة من الملك الذي قبله " أمنحوتب الأول" الذي حكم من عام 1525 إلى عام 1504 قبل الميلاد، ولكن لا تزال هذه الفكرة غير مؤكدة عند العلماء.
أكّد التقرير عدم وجود سبب أساسي للتوقف عن بناء الأهرامات الملكية في زمن الفراعنة، لكن يٌشاع أن عمليات السرقة حينها والمشاكل الأمنية هي السبب الأهم للتوقف.
وحسب ما قال "إيدان دودسون" بروفيسور علم المصريات في بريستول: "حتى قبل أن يتوقفوا عن بناء الأهرامات من أجل الملوك، كانوا قد توقفوا عن وضع حجرة الدفن تحت الهرم".
كما أكمل دودسون، في تقريره، "أنّه كان آخر هرم للملك، هو هرم أحمس الأول في أبيدوس، كانت حجرة الدفن تقع خلفه على بعد 500 متر (1640 قدمًا)، في عمق الصحراء".
ويذكر التقرير أيضا، إلى وجود رجل اسمه "إينيني" هو كان المسؤول عن تشييد المقبرة الملكية الخاصّة للملك "تحتمس الأول" في منطقة وادي الملوك.
كان قد كتب أحد أهم المخطوطات التاريخية التي تحتوي على معلومات مهمّة، حيثُ جاء في هذه المخطوطة الهامّة، مايلي: "أشرفتُ على أعمال التنقيب في مقبرة جلالة الملك تحتمس الأول بمفردي، فلم يكن هناك أحد يرى أو يسمع!".
إن قوله هذا الذي أكّد لعلماء التاريخ أن السريّة في بناء الاهرامات كانت ضرورية، من الجدير بالذكر أنه عندما قام ملوك الفراعنة بالتوقف عن بناء الأهرامات، واصل الأثرياء على بنائها بشكل فرديّ.
حيثُ أعلن علماء الآثار المصريين عام 2014 عن وجود مقبرة عمرها 3300 عام، تم بناؤها بشكل شخصيّ من أجل مدوّن قديم يُدعى حورمحب.
من المحتمل وحسب ما أشار التقرير إلى ان تغيير العادات الدينية في عصر الفراعنة، كان سبب قوي متوقع لتوقفهم عن بناء الأهرامات، حيثُ من المحتمل أن العادات الدينية الجديدة كانت قد أجبرتهم على أهمية بناء المقابر تحت الأرض فقط.
ويوضّح أوين في التقرير، قائلاً "خلال عصر الدولة الحديثة، أصبح مفهوم الرحلة الليلية للملك عبر العالم السفلي منتشرًا جدًّا، وهذا يتطلب مخططات متطورة للمقابر المنحوتة في الصخور تحت الأرض».
وبالمقارنة مع المقابر الموجودة تحت الأرض في منطقة وادي الملوك والمحفورة ضمن الصخور، نجد أن عملية الدفن الجديدة هذه تناسب المفاهيم الدينية الجديدة تماماً.
أشار عالم المصريات التشيكي "ميروسلاف بارتا" عبر رسالة أرسلها إلى موقع "Life Science"، إلى أنه "من الممكن أن يتم تفسير التضاريس الطبيعية لوادي الملوك سبب بروزه بوصفه موقعًا مميزًا للمقابر الملكية".
وأكمل قائلاً في رسالته: "فلقد كان للوادي قمة تعرف الآن باسم القرن، والتي تشبه إلى حد ما الهرم، ونظرًا إلى أن القمة كانت تشبه شكل الهرم إلى حد كبير، لذلك، وبطريقة ما وضعت المقابر الملكية المبنية في وادي الملوك أسفل الهرم".
كما يشير أيضا مدير جمعية أبحاث مصر القديمة "مارك لينر"، في كتابٍ له يدعى (الأهرامات الكاملة)، إلى أن"الهرم كان مهمًا من الناحية الرمزية للفراعنة المصريين، لأنه كان مكانًا للصعود والتحول إلى الحياة الآخرة".
وذكر أيضا في كتابه أن تضاريس منطقة الأقصر، قد كانت أحد أهم أسباب توقف بناء الأهرامات، حيثُ قال: "إن الأقصر منطقة محدودة جدا من حيث المساحات الخالية، بالإضافة إلى وجود كثير من المطبات والنتوءات» ولهذا قد أثرت التضاريس سلبا على عمليات البناء.
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.