حلم الثراء.. الباحثين عن الذهب في الصحراء المصرية
منوعاتصارت التجارة في الذهب حلماً لدى كثير من سكان مدينة إدفو والقرى الصغيرة التي تجاورها.
فبعضهم لا مانع لديه من خوض المُغامرة ودخول الصحراء، وبعضهم الآخر اكتفى بالجزء الآمن إذ يأخذ بقايا الأتربة المُحمّلة بخام الذهب، الذي يجلبونه من تكسير الجبال.
ويُضيف إليه مواد كيميائية ويُعيد تصنيعه فيصل إلى سبائك صفراء تُبهر الأعين.
هذا إغراء يستحق المُغامرة لدى أبناء الجنوب المصري، الذين يعانون من الفقر وقلّة التعليم، إليك القصة كاملةً.
التعريف بمحمد وعائلته
محمد ط. شاب مصري في الرابعة والعشرين من عمره، حاصل على إجازة جامعية من كلية الحقوق في جامعة أسيوط بصعيد مصر.
يسكن محمد مع أهله في مدينة إدفو بمُحافظة أسوان، التي تبعد عن القاهرة مئات الكيلومترات، وهي خالية من الخدمات الصحية والتعليمية، وبعيدة عن أنظار المسؤولين في الحكومة المصرية.
يعمل والده كمزارع بسيط في قطعة أرض زراعية لأبناء عمومته، يمتلك ولد واحد وأربع بنات قام بتزويجهن.
وحلمه الوحيد هو تعليم ولده الوحيد، كان يرغب في أن يُصبح والد الأستاذ أو الدكتور، وأن يفتخر بذلك في بقية حياته.
ليس الأمان في نظره هو الحصول على الشهادة الجامعيّة كما يظن والده، فنظرته للأمان منذ البداية في جمع المال الكثير.
وهو يشعر الآن أن حلمه قد اقترب من التحقق، فأخيراً قد وجد الطريق، سيخوض في الصحاري المُحيطة ببلدته الجنوبية البعيدة من كل الأماكن، سيُكسر في الجبال ويحصل على الذهب، يبيعه وسيصبح من الأغنياء.
حقق محمد حلم والده وتخرج من كلية الحقوق وأصبح «الأستاذ» المُحامي، لكن لا عمل بعد التخرج، ولو عمل في مكتب محامٍ ببلدته الجنوبية فعمله سيكون مجاناً بلا مقابل.
مضى على هذا الحال ثلاث سنوات بعد تخرجه من الجامعة، عندها سمع من أصدقائه عن قصص الأثرياء الذين حصلوا على ثروة كبيرة نتيجة البحث عن الذهب في الصحاري.
ضحايا على طريق حلم الثراء
كان سليم وعبد الرحمن، يخترقان الصحراء بسيارة استجرّاها، وقاموا بتزويدها بما قد يحتاجونه من طعام وشراب ومعدات، وفي ذات الوقت كان محمد سارحاً بأحلامه بالذهب والثراء.
لمدة ساعات وهم سائرين في الصحراء محاولين الوصول إلى الجبل الذي سيقومون بتكسيره للوصول إلى الذهب، لكنهم لم يصلوا بعد.
وما حدث أنهم فقدوا بوصلتهم، فلم يتمكنوا من معرفة طريق العودة أو الوصول، تخبطوا لأيام تحت شمس صحراء صعيد مصر الحارقة، وعائلاتهم التي تنتظر عودتهم تتخبط بالقلق، لكنهم لم يعودوا.
قام أهالي مدينة إدفو بتجميع الأشخاص الذين لديهم خبرة بالصحراء ودروبهم، وتجميع عدد من السيارات، واختراق الصحراء بحثاً عن سليم وعبد الرحمن.
بعد ساعات عديدة من البحث وصلت السيارات إليهما، لكنها وجدتهما قد فارقا حياتهما جوعًا وعطشًا في الصحراء، عادت السيارات بالجثتين.
فغرقت المدينة في حزن بالغ، وأطلق عليهما سُكان المدينة الجنوبية «شهيدا لُقمة العيش».
يعج الجنوب بقصص الباحثين عن الذهب في الصحراء، الذين ينجحون في الوصول إلى أهدافهم وتمكنوا من الوصول إلى ملايين الجُنيهات.
وبعضهم الآخر فقد حياته إما جوعًا وعطشًا في الصحراء كسليم وعبد الرحمن، أو سقوط قطعة من الجبال التي يُكسرونها فوق رؤوسهم.
الحلم ينتهي بالسجن أحيانًا
أصبح البحث عن الذهب حلمًا تُنسج حوله الأساطير والشائعات عن أناس استطاعوا بناء العقارات وحيازة الأراضي نتيجة تجارتهم في الذهب التي تصفها الدولة المصرية «تجارة غير مشروعة».
إذا لم يكن لديك ترخيص رسمي يمنحك الحق في التنقيب عن الذهب وإنتاجه.
كانت النيابة المصرية في نوفمبر 2018 تستمع إلى أقوال الشهود في قضية التنقيب عن الذهب والفضة في الصحراء الشرقية.
والتي أثبتت أن «المتهمين خالفوا القانون، وضيعوا على الدولة مبالغ مالية كبيرة جراء تنقيبهم غير المشروع.
كما أنهم لوثوا البيئة، باستخدام مواد ضارة منها فحم الكوك»، ومخالفات أخرى نتيجة عدم تسجيل نشاطهم بالدفاتر الرسميّة.
كان الشاهد الأول عقيدًا بالشرطة المصرية، يتحدث قائلاً:
«وردت إليه معلومات من هيئة الرقابة الإدارية تفيد بقيام المتهمين بالتنقيب العشوائي عن خامات المعادن الثقيلة من بعض مناجم الصحراء الشرقية.
كما قاموا باستخلاص خام الذهب والفضة منها بطرق غير شرعية مُخالفة للقانون لكونهم لم يحصلوا على ترخيص».
بداية القصة
ظهرت فكرة جديدة في أقصى الجنوب من الصحراء الشرقية منذ 10 سنوات تقريباً.
حيث قدم بعض السودانيين مصطحبين أجهزة غريبة وكانوا يُمرون بها على الأرض باستخدام ذبذبات تكشف وجود المعادن.
وأول جهاز ظهر معهم اسمه «التكنس» وهو يقوم بإصدار صوت غريب وفيه شاشة تحدد أرقامًا مختلفة وفق المعدن الذي تحسس به الجهاز فلكل معدن رقم معين.
ويقوم الجهاز بالتحسس للمعدن على بعد 50 سم.
لم يهتم أهالي (حلايب وشلاتين) بهذا الموضوع بدايةً حيث كانوا منشغلين في السياحة والصيد ويعمل معظمهم في التهريب من وإلى السودان.
لكن بعد أن ثبتت صحة الأمر، وربما يُحقق ربحًا أسرع مما يتصور صاحبه، بدأوا في تجريب حظهم.
لقد أدى الإقبال الشديد إلى تطور الأجهزة المستخدمة، فبدأوا يستخدمون المُعدات الثقيلة كالحفارات واللوادر والجرارات الزراعية.
وتوسع العمل وصارت الأودية والجبال في الصحراء الشرقية عبارة عن شبكات ضخمة من الأفراد والجماعات الباحثين عن الذهب.
اقتصرت تلك العمليات على أبناء قبيلتي العبابدة والبشارية حيث اتفقتا على عدم إدخال غريب إلى الصحراء فيزاحمهما في البحث عن الذهب.
وقد كانت كل مجموعة تستقل سيارة نقل وخاصة ماركة «تويوتا 2005» التي عرفت بـ«الرشاحة».
كيف يقوم الأفراد باستخلاص معدن الذهب؟
يتحدث خبير التعدين المصري الدكتور مصطفى القاضي، لجريدة «الأهرام» المصرية، أن الدهابة من أقدم المهن في الصحاري المصرية.
وفي سلاسل جبال البحر الأحمر بشكل خاص، ويعتمد أكثر العاملين بها على استخلاص الذهب من عروق صخور الكوارتز التي تُشكل أفضل الصخور ثراء بالمعدن.
كانت تعتمد طريقة الاستخلاص سابقاً على اكتشاف الذهب بالعين المجردة، وقد اختصرت الأجهزة الإلكترونية الوقت حالياً.
فهي تعمل على اختيار المناطق ذات التركيز العالي من الذهب، وعلى الأعماق المناسبة لاستخراج الذهب والاستخلاص السريع.
يصف القاضي الأجهزة الإلكترونية أنها تُشبه أجهزة الكشف عن الألغام، ويتوقف سعرها على مقدار حساسيتها وقدرتها على الكشف عن المعدن الثمين.
وسعرها بين 15 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه، يتم استيرادها من الخارج فلها أسواق معروفة في السودان أو في مصر.
وتوجد أجهزة أخرى تتكون من جهاز مسح أرضي يسهل تحريكه بواسطة ذراع طولية في الوديان أو على الرمال أو على الصخور.
والجزء العلوي يشتمل على مجموعة الرأس والتي تُثبت على رأس من يقوم بالبحث، وتكون تلك المجموعة مزودة بسماعات للأذن تعطي ذبذبات وصوت معين يرتفع وينخفض تبعًا لوجود وكثافة الذهب في منطقة البحث.
وتلك الأصوات تحدد كذلك الأعماق الموجود عليها المعدن.
ويزداد سعر هذا الجهاز بزيادة قدرته على كشف وجود الذهب على أعماق أكبر وكميات أكثر.
وهو مُزود بعداد رقمي مثبت على قمة ذراع التحريك بحيث يكون على بعد مناسب للرؤية أمام عيني من يقوم بالبحث، يرصد العمق الفعلي الموجود عليه الذهب وكمياته بدقة.
المراحل النهائيّة لاستخلاص الذهب
تتم عمليات الحفر بواسطة مثقاب (شنيور) ضخم ثم تبدأ عملية الاستخراج للصخور الحاملة للمعدن.
وبعدها تبدأ عمليات الغربلة وغسيل الركاز، ويتركز في النهاية الذهب إذ يرسوا في قاع الإناء المخصص كونه من المعادن الثقيلة.
لقد سمع محمد عن بعض العاملين في البحث عن الذهب في مدينته الذين كسبوا الكثير من بحثهم واشتروا الأجهزة التي تمكنهم من إيجاد الذهب بسهولة.
لكنه لا يمتلك رأس مال ولو بسيط يمكنه من شراء «الطره» الذي هو التراب الذي يحمل معدن الذهب وبعض المواد الكيميائية التي تُمكنه من إعادة تصنيع هذا التراب لاستخلاص الذهب.
وكل ما يملكه هو ذراعه، وقوته، لذلك قرر بعض أصدقائه استغلال هذه القوة للتكسير في الجبال باحثين عن الذهب، وهي أخطر الطرق في هذه التجارة.