الليرة التركية إلى قاع تاريخي.. ماذا يحدث؟
أخبار اقتصاديةكان ذلك في صباح اليوم الاثنين 20 ديسمبر الحالي إذ هبطت الليرة التركية إلى مستوى لم يسبق أن وصلت إليه من قبل فبغلت 17.5 مقابل الدولار، فما الأسباب وراء ذلك وماذا يحدث في أنقرة؟
رحلة انهيار الليرة التركية
بدأ انهيار الليرة التركية عام 2016 إذ كان سعرها 2.92 مقابل الدولار في بداية 2016، ثم خسرت خلاله 17 بالمئة من قيمتها حتى وصلت إلى 3.53 ليرة مقابل الدولار مع نهايته.
وقد هبطت أكثر في بداية عام 2017 فوصلت إلى 3.779 ليرة مقابل الدولار.
وواصلت تدهورها خلال الأعوام التالية حتى بلغت إلى قاع غير مسبوق عند أكثر من 17.5 مقابل الدولار في صباح اليوم الاثنين 20 ديسمبر الحالي.
وكانت الليرة قد سجلت يوم الجمعة الماضي أدنى مستوى قياسي لها تجاوز 17 مقابل الدولار الأمريكي بعد الخوف من حدوث دوامة تضخم.
كما فقدت هذا العام 55% من قيمتها تقريباً، وكان 37% منها في الثلاثون يوما الأخيرة.
أسباب انهيار الليرة التركية
إن سبب انهيار الليرة التركية بسيط وواضح وهو سياسة الرئيس أردوغان الاقتصادية غير التقليدية التي تتمثل في الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة من أجل النمو الاقتصادي في تركيا.
وتحسين فرص تصدير السلع التركية إذ سوف تكون ذات كلفة بالعملة الصعبة بحسب وجهة نظره.
ناسياً أن تركيا تقوم باستيراد نسبة كبيرة من المواد الأولية التي تستخدم في إنتاج السلع التي تصدرها وسعر هذه المستوردات بالعملة الصعبة، مما يزيد كلفتها بالليرة التركية بسبب تدهور سعر الليرة.
وقد وجهت المعارضة التركية اتهاماً إلى وزير المالية التركي السابق أنه أهدر أكثر من 100 مليار دولار في سوق الصرف التركية للمحافظة على الليرة التركية دون أن يجدي ذلك نفعاً يذكر.
تأثير تدهور الليرة التركية على أوضاع المعيشة
ينعكس هذا التراجع المتسارع في قيمة الليرة التركية بشكل سلبي على الأوضاع المعيشية للموطنين الأتراك حيث تآكلت مدخراتهم بسبب التضخم الذي وصل إلى 20 في المئة بحسب البيانات الرسمية.
بينما يقول بعض الخبراء أن نسبتها الحقيقية أكثر من 50 في المئة والسبب هو أن المحلات التجارية تغير أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل يومي تقريباً.
وبحسب ما جاء في صحيفة "جمهوريات" المعارضة في 13 ديسمبر الحالي فإنّ الطوابير تصطف أمام أكشاك بيع الخبز التي قامت بلدية إسطنبول بافتتاحها.
إذ تقوم بالبيع بأسعار رخيصة بعد أن وصل سعر الرغيب أكثر من 3 ليرات ونصف في بعض أحياء المدينة.
وقد قام أردوغان برفع الحد الأدنى لراتب موظف الدولة بنسبة 50 في المئة العام المقبل ليبلغ 4250 ليرة تركية شهرياً ( 275 دولاراً)، إلا أن هذا الراتب بقي أقل مما كان قبل عام ( 380 دولاراً).
تشمل هذه الزيادة نحو ستة ملايين من موظفي الدولة، وسوف تسبب مزيد من التضخم مما يؤدي إلى تراجع الليرة التركية أكثر.
الاجراءات التي اتخذتها الدولة التركية
خفض التضخم
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه قام بتخفيض التضخم في بلاده إلى نسبة 4% تقريباً في وقت سابق، وأنه سوف يعيد العملية ثانية.
وكان قد وصل معدل التضخم السنوي نسبة 21%، نتيجة سعي الرئيس لتخفيض أسعار الفائدة.
وفي يوم السبت أجرى لقاء مع شباب أفارقة تمت إذاعته يوم الأحد، كرر وجهة نظره بأن أسعار الفائدة تسبب التضخم، آملاً أن ينخفض التضخم قريباً.
وفي ضوء ذلك قال: "عاجلاً أم آجلاً، فمثلما خفضنا التضخم إلى 4%، عندما وصلت إلى السلطة، سنخفضه مرة أخرى، وسنجعله ينخفض مرة أخرى، لن أسمح لأسعار الفائدة بسحق المواطنين".
وتابع "إن شاء الله سيبدأ التضخم في الانخفاض قريباً".
وكان التصخم قد انخفض عام 2011 إلى حوالي 4٪، ثم بدأ عام 2017 بالارتفاع بشكل تدريجي، وقفز في نوفمبر بنسبة تتراوح بين 3.5% إلى 21.3%.
تدخلات البنك المركزي التركي
قال البنك المركزي التركي في بيان له أنه قام بالتدخل بشكل مباشر في سوق العملات عن طريق عمليات بيع الدولار الأمريكي بسبب تشكيلات غير صحية في أسعار الصرف.
وقد تدخل المركزي في سوق العملات عدة مرات في الأسبوعين الماضيين وقام ببيع دولارات بهدف إبطاء تراجع الليرة، الأمر الذي سبب تآكل احتياطياته الأجنبية المستنزفة في الأساس.
وقد عقب رئيس غرفة صناعة إسطنبول يوم 17 ديسمبر الجاري على تدهور الليرة التركية مندهشاً بقيام المصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة وبيع احتياطياته من العملة الصعبة في اليوم التالي لمنع انهيار الليرة أكثر.
ولم يتوقف المصرف المركزي التركي عن التدخل مرة أخرى في سوق الصرف منعاً من انهيار الليرة من خلال طرح مئات ملايين الدولارات للبيع، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
إذ تدخل المصرف خمس مرات في سوق الصرف خلال الاسبوعين الماضيين وتجاوز مبيعه أكثر من 4 مليارات دولار من مخزونه المحدود من العملات الصعبة.
تخفيض أسعار الفائدة
بوجهة نظر العديد من الاقتصاديين، إذا ارتفع التضخم، يمكنك التحكم به عن طريق رفع أسعار الفائدة.
إلا أنّ أردوغان يرى أسعار الفائدة "شرٌ من شأنه أن يزيد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً".
وبحسب رغبته تم تخفيض أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة خمس مرات منذ سبتمبر الماضي.
وفي أثناء تلك الفترة انخفضت قيمة الليرة التركية إلى النصف مقابل الدولار وارتفع التضخم إلى 21 في المئة حسب البيانات الرسمية، أي أكثر من أربعة أضعاف الهدف الرسمي الذي يبلغ 5٪.