خلال الستينات من القرن الماضي، تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مجال السيادة على الفضاء. لكن كان هناك منافس آخر عربي في هذا السباق.
كان المتسابق جمعية الصواريخ اللبنانية، وهو نادي علمي بجامعة في بيروت، وموضوع فيلم بدأ عرضه مؤخرا.
ويقول مانوغ مانوغيان أستاذ الفيزياء بجامعة ساوث فلوريدا الأمريكية "كان حلمي استكشاف الفضاء.. ولبنان كان بوسعه القيام بهذا".
قد يبدو تباهي مانوغيان أمرا غير متوقع، لكن قبل 50 عاما وجد نفسه مع مجموعة من الطلاب وقد أصبحوا روادا في مجال الفضاء بالعالم العربي، فقد تمكنوا، بالرغم من الميزانية المحدودة، من تطوير صاروخ قادر على الوصول إلى أطراف الفضاء.
قبل حدوث الغزو الأمريكي للفضاء وإرسال أول بعثة بشرية إلى القمر، كانت لبنان تمتلك برنامجها الفضائي الخاص، وذلك أيام ذروة العروبة والنخوة العربية، والإيمان المطلق بتحقيق أي حلم، فقد احتضن الرئيس المصري جمال عبد الناصر الحلم العربي، حيث أطلق مجموعة طلبة لبنانيين بقيادة أستاذهم الصاروخ الأول في العالم العربي.
عند سماع ذلك الأمر للمرة الأولى ربما قد لا تصدق ذلك، لكنه حقيقة، إذ شاركت لبنان في السباق إلى الفضاء الذي كان أهم ما ميز ستينات القرن الماضي إذ كان فيه منافسة بين المعسكران الأمريكي والسوفييتي.
هل تصدّقوا أن لبنان الغارِق اليوم في أزمةٍ إقتصاديةٍ خانقة، والذي عانى الأمرّين من اعتداءاتٍ إسرائيليةٍ وإرهابية، كان من الدول العربية الأولى والوحيدة التي مخرت عُباب الفضاء؟
تتوضح تلك القصة من خلال الفيلم الوثائقي «جمعية الصواريخ اللبنانية»، هدف هذا الفيلم هو تخليد لذكرى، ببذل المساعي الحثيثة بهدف استعادة شيء من لحظات الماضي المجيد، اخرج ذلك الفيلم المخرجين اللبنانيين جوانا حاجي توما وخليل جريج.
وكان أبطاله عدد من الطلاب بقيادة أستاذهم مانوغ مانوغيان الأستاذ في الرياضيات والفيزياء في جامعة (هياكازيان) العربية الأرمينية الفتيّة، الذي عرف بصفاته.
وقد نجحوا في إطلاق الصاروخ الأول في العالم العربي إلى الفضاء، بداية تمت تسمية برنامج الصواريخ الفضائية اللبنانية «جمعية الصواريخ في جامعة هايكازيان» واسموه فيما بعد باسم «جمعية الصواريخ اللبنانية».
صنع ذلك البرنامج واطلق عشرة صواريخ بشكل كامل بين عامي 1960 و1964، وأهم تلك الصواريخ: صاروخ (أرز 3) —تيمناً بشجرة الأرز في العلم اللبناني التي يمتاز بها لبنان—.
الذي بلغ وزنه 1250 كيلوغراماً وطوله 6.80 متراً، وصاروخ (أرز 4) وكان بوزن 8 أمتار وبوزن طناً واحداً وارتفاعه 200 كيلومتر، أي أخفض من مكان تواجد محطة الفضاء الدولية الحالية بقليل.
أغلب هؤلاء الطلبة أرمني الأصل نجا من المجازر التي حصلت في بلاده، والتجأ إلى لبنان متخذاً إياه موطنا له، كما ولد الأستاذ مانوغيان في القدس، لكن جميعهم امتلك قناعة قوية بأنهم قادرون على تحقيق أمانيهم.
بتمويل 750 ليرة لبنانية فقط كان من النائب (إيميل بستاني)، كما أنتجوا المواد الضرورية والقطع الأساسية لبناء الصواريخ من لاشيء.
أجروا التجارب والاختبارات على المواد الكيميائية، ولم ييأسوا من محاولاتهم حتى حصدوا النجاح، وبداية لم تلقى رحلتهم في غزو الفضاء الدعم اللوجيستي من الجيش اللبناني.
فقد تم إجراء التجارب الأولية في الأرياف لهذا اعتبروها غير آمنة، وقد تلقوا مساعدات مالية بمقدار 10 آلاف ليرة لبنانية من الرئيس اللبنان فؤاد شهاب عام 1961 وأخرى بمقدار 15 ألف ليرة لبنانية عام 1962.
مع الأسف لم يستمر ذلك المشروع طويلاً، وقد أنهي بعد فترة قصيرة من نجاحاته المتتالية، إذ تعرض اثنان من الطلبة عام 1964 لحادث، ونقلا إلى المستشفى بسرعة.
وزادت حدة التوتر والمخاوف في المنطقة من أن يقوم لبنان لاستغلال المشروع لأغراض عسكرية، كانت قد أعلنت عنها القوى العسكرية في الدول المجاورة، هذا ما اضطر الطلبة أن يتخلوا عن أحلامهم.
وقد تضمن الفيلم فقرة قصيرة هامة جداً بعنوان «ماذا لو؟» تحدثت عن عالم موازٍ وحقيقة بديلة، فقد سمح للبنان بالتطور والتقدم علمياً، وقد كانت السعادة حينها تغمر الناس.
وحول الحديث عن تعرّض المشروع الفضائي اللبناني لضغوطٍ خارجيةٍ أوضح أن "جميع التقارير والمقالات وتصاريح المسؤولين عن المشروع في حينه تظهر حجم الضغوط الغربية خاصة من خلال الرئيس الفرنسي الراحل الأسبق شارل ديغول الذي نقل تهديدات باجتياح لبنان من قِبَل "إسرائيل" والتي أدّت بالفعل إلى توقّف البرنامج اللبناني".
ويُعقّب شارحاً "في أوائل الستينيات أنشأ الإسرائيليون اللجنة الوطنية للفضاء التي أعدَّت برنامجها الفضائي والذي يتضمَّن بالطبع برنامجاً صاروخياً ، حيث قامت بالعديد من التجارب أولها عام 1961 (Shavit 2) حيث كان دافيد بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي) خائفاً من النجاح الروسي في إطلاق أول قمر صناعي "سبوتنيك" عام 1957 ومن التقارُب الروسي المصري خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وبالطبع كانت "إسرائيل" تنظر بخوف من جميع البرامج العربية حولها كالبرنامج اللبناني والمصري".
اللافت أنه بعد عقودٍ من الزمن وثقّ خليل جريج وجوانا حاجي توما في فيلم "النادي اللبناني للصواريخ" عام 2012 ما جرى بعد تواصل مع مانوغيان مع عبارة: "لبنان يغزو الفضاء"ّ.
وبحسب الفيلم، فقد أنشئت لتلك الغاية محطة فضائية في مرتفعات الضبية (شرق بيروت)،واستخدمت مختبرات لتصنيع الوقود الخاص بإطلاق الصواريخ.
ويسرد الوثائقي المذكور كيف كاد إطلاق صاروخ باتجاه البحر الأبيض المتوسط يتسبب بأزمة، وأوقع ما يشبه أزمة ديبلوماسية عالمية! وذلك عندما حدث خطأ في توجيهه فسقط في المياه الإقليمية القبرصية بالقرب من بارجة حربية بريطانية (يقال إنها كانت تراقب ما يجري)، حيث أعرب سفير لندن في بيروت آنذاك عن قلقه من هذه التجارب، كما طالبت الحكومة القبرصية بجلسة استماع في الأمم المتحدة!
وعام 2012 وضع مجسّم لصاروخ "أرز" في ساحة جامعة "هايكازيان" في بيروت، للدلالة على مرحلة هامة من تاريخ لبنان، يبدو أن البعض حاول طمسها، علماً أن البعض يرى أنه يجب على الوزارات المعنية وغيرها تأليف كتاب يوثّق انجازات مانوغيان وفريقه، ويضيء على مرحلة علمية فضائية عربية.
المصادر: الميادين + BBC
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.