في أول زيارة رسمية منذ 30 عام، استقبلت المملكة العربية السعودية الثلاثاء 25 يناير/ كانون الثاني 2022، رئيس الوزراء تشان أوتشا، في أول زيارة رسيمة لمسؤول تايلاندي رفيع المستوى
إلى المملكة منذ نحو 30 عاماً، وجاءت زيارة أوتشا، تلبيةً لدعوة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.
بهدف تطبيع العلاقات الثنائية ما بين البلدين بعد توقفها منذ الثمانينات، والعمل على تعزيز العلاقات في مختلف المجالات الحيوية، فما السبب وراء هذه القطيعة الطويلة؟
تدهور العلاقات بين السعودية وتايلاند بدأ في صيف عام 1989، وبطلها الأول كيرانغكراي تيتشامونغ، بستاني تايلاندي يعمل في قصر الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز آل سعود.
هذا العامل الذي أغرته المجوهرات في قصر الأمير، لتبدأ سلسلة الأحدث الدامية بعنوان "حرب الألماس الزرقاء" وتكلفتها الباهظة بلغت 18 قتيلاً وخسائر بلغت المليارات.
وأصبحت القصة مادة للأساطير، فهي عملية سرقة جنونية حتى بالنسبة للأفلام السينمائية، ووضعت معياراً جديداً لمخطَّطات "الثراء السريع".
حسب تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي كان كيرانغكراي تيتشامونغ يملك سبيل الوصول إلى المجوهرات، والثقة الكافية بالنفس، واستراتيجية خروج مؤكدة.
وبالتأكيد فقدان البعض منها لن يثير الشبهة عند الأمير فيصل بن فهد، و"البعض" هنا تعني جواهر بينها واحدة فقط تقدر قيمتها بنحو 20 مليون دولار.
وبحسب شبكة BBC استطاع البستاني التسلل لغرفة النوم عند غياب أصحابها، ليسرق ما يصل إلى 90 كيلوغراماً من القلادات والخواتم والأساور والساعات والألماس والذهب.
نجح كيرانغكراي في البداية، مع أن خطته اشتملت على فراره إلى وطنه الأم، فهو لم يتوقَّع أن يتلافى جميع الشبهات، لكن فور عودته إلى تايلاند تدهورت الأمور على نحو سريع.
واستمرَّت توابع القضية لما يزيد على ثلاثة عقود من الزمان، ففي أعقاب السرقة ازدادت قائمة شخصياتها لتضمَّ مسؤولين تايلانديين سيِّئي السلوك
ومحقِّقين سعوديين قتلى، وشرخاً دبلوماسياً عميقاً بين الدولتين، وفي نهاية المطاف، لم يواجه أيٌّ من المشتركين في القضية تقريباً أية عواقب.
وما زالت كميةٌ كبيرةٌ مما سُرِق مفقودةً، بما فيها ألماسة زرقاء بوزن 50 قيراطاً يُقال إنها أكبر من "ألماسة الأمل" الشهيرة.
رصد موقع The Daily Beast تفاصيل ليلة السرقة، بحسب ما قاله اللص نفسه، إذ بدأ البستاني ذات ليلة، وتحت ستار الظلام، تطبيق خطته.
تسلَّق السور الخارجي للقصر، وتسلَّل إلى الداخل عبر إحدى نوافذ الطابق الثاني، وأخذ 90 كيلوغراماً من المجوهرات من خزينة العائلة.
ومع أنه لم يُفصَح عن التفاصيل الدقيقة للسرقة، فتزعم بعض الروايات أنه انسلَّ هارباً بما سرقه عن طريق تخزينها في كيس مكنسة كهربائية وجرِّها إلى الخارج.
وفقاً لصحيفة The Washington Post استولى التايلاندي على غنيمةٍ لم تكن تشمل فقط الألماسة الزرقاء الشهيرة، وإنما أيضاً قلادةً من الياقوت الأزرق بقيمة مليونَي دولار.
و"ياقوتات بحجم بيض الدجاج"، وقلادةً نادرةً من الألماس الأخضر، وعدَّة ساعات ذهبية.
وقام بشحنها إلى تايلاند من خلال شركة DHL ببساطة، ولم يضيِّع كيرانغكراي أي وقت في الابتعاد بها عن مسرح الجريمة، فتبعها إلى هناك بُعَيد ذلك بقليل.
سرعان ما اكتُشِفت السرقة، ولما حدث هذا كان من الواضح هوية المسؤول عنها، وتواصل السعوديون مع المسؤولين في تايلاند، الذين ألقوا بدورهم القبض على كيرانغكراي.
المفاجأة أن المجوهرات لم تعد بحوزته، فبعد الوصول إلى وطنه باع كيرانغكراي غنيمته إلى صائغ يُدعى سانثي سيثاناكان، وقد أفصح عن اسم التاجر مقابل تخفيف الحكم عليه.
يفترض هنا أن تنتهي القصة على اعتبار وجود اعترافات بالجريمة؛ ليلقى القبض على مرتكبي السرقة، وتُستَرجع المجوهرات،.
وتعود الحياة إلى مجراها لكن هذه هي قضية الألماسة الزرقاء، حيث لا يتبع أي شيء الوصفة المعهودة.
استعاد المسؤولون التايلانديون كنز السعوديين المفقود وأعادوه إلى مالكه الشرعي لكن الأمير اكتشف أن 20% فقط من المجوهرات التي أعيدت إليه حقيقية، أما الباقي فمزيفة.
واتُّهم مسؤول تايلاندي بارز باختلاس بعض المجوهرات، وتم استردادها منه وأعيدت للأمير عام 1991، إلا أنّ الكمية كانت صغيرة، ولم تكن الألماسة الزرقاء من بين المجوهرات.
كانت إهانةً سافرةً ما كان السعوديون ليتجاهلوها، فقرروا إرسال مجموعة من المبعوثين إلى تايلاند لمحاولة التوصُّل إلى حقيقة الأمور.
وفي الأول من فبراير/شباط 1990، قُتِل 3 من الدبلوماسيين السعوديين الوافدين حديثاً إلى بانكوك في ظروف غامضة، وفي وقتٍ لاحق من ذلك الشهر
اختفى المندوب الرابع -وهو رجل أعمال سعودي- ويُفتَرض أنه لقي المصير نفسه.
وكمعظم مفاجآت قضية الماسة الزرقاء، لم تُكشف الحقيقة وراء هذه الاغتيالات قط، يقول السعوديون إن أفراد الشرطة التايلانديين المتورطين في عملية السرقة المستمرة
هم المسؤولون عن جرائم القتل، وليس من الواضح إن كان هذا صحيحاً.
مع استمرار إزالة آثار الفضيحة، ومع تهديد سُمعة عديد من كبار المسؤولين التايلانديين وحريتهم، واصلوا التستُّر على أية أخطاء اقترفوها.
وفي عام 1994، اختُطِف تاجر المجوهرات سانثي لثلاثة أيام، وقد كان شاهداً أساسياً في القضية نظراً لقدرته على تحديد أسماء المشترين
وفي العام نفسه، عُثِر على جثَّتَي زوجته وابنه في سيارة، في حوار مع The New York Times عام 1994، صرح محمد سعيد خوجة، أحد الدبلوماسيين السعوديين في تايلاند
قائلاً: "الشرطة هنا أكبر من الحكومة نفسها أنا مسلم، وما زلت هنا لشعوري بأنني أصارع الشياطين".
ومع تواصل أحداث القصة العارمة، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وفقد العمال التايلانديون في السعودية تصريحات عملهم ورُحِّلوا إلى بلادهم.
وقلَّلت المملكة السعودية تعاملاتها الدبلوماسية مع تايلاند، وحتى عام 2010، ظَل آلاف المسلمين التايلانديين مُهمَلين بانتظار الحصول على تأشيرات سفر
لأجل الذهاب إلى مكة لتأدية فروض الحج، وبدا أن السعوديين كانوا يمارسون الضغط بالتأشيرات مبرِّرين ذلك بـ "أسباب فنية".
عمليات السرقة في عالم الواقع أكثر تعقيداً، فهي لا تقبل حلول السينما والنهايات السعيدة، ففي النهاية وُجِّهت تهمٌ لخمسة شرطيين، ولكن ما أثار غضب السعوديين
أن رُفِضت الدعوى ضدهم عام 2015 بموجب عدم وجود أدلة كافية، وكان الفريق تشالو غيرتد قد أدين باستلام الأحجار الكريمة المسروقة وتقاسمها مع كبار الضباط المتورطين.
بعد أن أعاد للأمير فقط 20% من المجوهرات الحقيقية، كما تمت إدانته بإصدار أمر قتل زوجة تاجر المجوهرات وابنه بعد أن عجز التاجر عن تأمين مبلغ الفدية.
وحكم عليه بالإعدام، ثم خُفِّض إلى السجن 50 عاماً، إلا أنه تم الإفراج عنه لاحقاً في عام 2006.
وفق تقرير CNN ما زالت الماسة الزرقاء مفقودةً، بينما بيعت أخواتها بملايين الدولارات في المزادات، وربما الطرف الوحيد في القصة الذي وجد السلام هو الرجل الذي بدأها كلها.
فقد كشفت مجلة Foreign Policy الأمريكية عام 2016 أنّ كريانغكراي قد قرَّر الترهبن، وكان الحكم الذي تلقاه نظير جريمته خفيفاً إلى حد ما.
إذ قضى البستاني السابق 3 سنوات من فترة سجنه، لكن لا يعني هذا أنه لم يتعرض لأنواع أخرى من العقاب أيضاً، كما هي عادة القصص الخرافية عن الألماس المسروق ولَعناته.
المصادر: BBC + The Dailybeast + عربي بوست
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.