تعرضت أيسلندا عام 1627، وهي جزيرة واقعة في شمال المحيط الأطلنطي لغارات القراصنة القادمين من المغرب، وتحديداً ما عرف بجمهورية سلا أو جمهورية بورقراق.
فقد استطاعت جمهورية سلا أن تبرز وجودها في البحار والمحيطات وترعب الأوربيين.. فما حكاية هذه الجمهوريّة المرعبة؟
عند مدخل وادي نهر بورقراق في المغرب قرب مدينة سلا والعاصمة الرباط تأسست جمهورية سلا ككيان مستقل بين عامي 1624 و1668 بحسب موقع "يا بلادي" المغربي.
وقد كانت البداية في أوائل القرن السابع عشر عندما أًدر الملك الإسباني فيليب الثالث مرسوم بطرد المورسكيين عام 1609، مما دفع نحو 3 آلاف منهم على مغادرة
مدينة هورناشوس ليتوجهوا إلى مدينة سلا المغربيّة، فمن هؤلاء المورسكيين؟ وما قصتهم؟
في بدايات القرن السابع عشر وعند مصب نهر أبي الرقراق، غرب المغرب، بدأت مدينة سلا تستقبل وفود الموريسكيين القادمة من إسبانيا والتي عٌرفت بالأندلس فيما مضى.
والموريسكيين هم أحفاد الموور مسلمي الأندلس، بغض النظر عن أصلهم، سواء أكانوا بربراً أو عرباً أو حتى إسباناً، وعلى الرغم من أن الموريسكيين تحولوا للديانة المسيحية
كي يتمكنوا من البقاء في بيوتهم ويتجنبوا محاكم التفتيش الإسبانية، فإنهم لم يكونوا مسيحيين جيدين ومخلصين من وجهة نظر الدولة الإسبانية، فطردتهم!
وعند وصولهم مدينة سلا عام 1610، شعروا بأنهم لن يستطيعوا التكيف مع المجتمع الموجود، على الرغم من أن الهورناتشوس حافظوا على ديانتهم الإسلامية.
وكانوا ما يزالوا يتحدثون العربية، وفقًا لكتاب «يوتوبيا القراصنة: القراصنة الموور والمرتدون الأوروبيون»، للكاتب بيتر لامبرون ويلسون، لذلك عبروا النهر وبنوا سلا الجديدة.
في هذه الفترة انتشرت سفن القراصنة القادمة من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب في البحر المتوسط، ووفقًا للباحث قدوري الطاهر في الدراسة المقارنة التي نشرها.
فإن «عمليات القرصنة» بين المسلمين والمسيحيين الأوروبيين كانت متبادلة.
وقد ظهر التفوق الإسلامي على أيدي أعلام بحرية كانت تخشاها المدن الساحلية في أوروبا، أمثال الأخوين بربروس خير الدين، وعروج خير الدين.
اللذين تحولا من قرصانين إلى قائدين في الأسطول العثماني، وقصتهما الشهيرة ومساعدتهما في نقل المسلمين من إسبانيا وتهريبهم من محاكم التفتيش.
كذلك نذكر تورغوت باشا الذي نجح في تحرير ليبيا من سيطرة فرسان مالطا وتصدى لهم في عدة معارك بحرية، وقد رافق هذا التطور الهيمنة العثمانية في ميادين الحرب
في أوروبا مما أكسب هؤلاء المجاهدين غطاء يستطيعون اللجوء له.
ونتيجة لهذا التفوق أُسر مئات الآلاف فيما تذكر مصادر أجنبية، من بينها كتاب «عبيد مسيحيون وسادة مسلمون: العبودية البيضاء في البحر الأبيض المتوسط والساحل البربري
وإيطاليا: 1500-1800»، أن الرقم تخطى مليونًا، وجرى بيعهم في أسواق مصر والشام وبلاد المغرب العربي!
أما فيما يخص قصة جمهورية سلا فهناك اسم لعب دور البطولة في بداية هذه الجمهورية، ألا وهو مراد رايس الأصغر.
مراد رايس الأصغر، وكان اسمه يان يانسون قبل أن «يصبح من الترك» ويدخل في الإسلام، بعد أن وقع أسيرًا في أيدي بحارة مسلمين.
إذ كان الدخول في الإسلام إحدى السبل التي يتبعها الأسرى للتخلص من سجن العبودية.
أثبت مراد رايس جدارة، وتدرج في الرتب حتى أصبح قائدًا، ومع تردي الأوضاع في المغرب ووقوعها في صراعات داخلية، وبعد استقرار الهورناتشوس والموريسكيين في سلا.
أُعلن قيام جمهورية سلا وانتخاب مراد رايس ليصبح القائد والرئيس الأول لهذه الجمهورية الحديثة، وكانت هذه الجمهورية تدفع ما يشبه الضرائب للسلطان في مقابل بقائها.
في عام 1627 قاد مراد رايس مراكبه تجاه الشمال، وفي العشرين من يونيو (حزيران)، رست السفن على سواحل آيسلندا، تحديدًا قرية جريندافيك.
وهناك أسروا ما بين 12 إلى 15 شخصًا واستولوا على سفينتين.
بعد ذلك حاولوا الوصول إلى قصر بيسستاير الذي كان يسكنه الحاكم الدنماركي الذي كانت آيسلندا تحت حكمه في ذلك الوقت، إلا أنهم تعرضوا لهجوم من المدافع صعَّب مهمتهم.
فاكتفى مراد رايس بالغنيمة والأسرى، وعاد بهم للوطن لبيعهم في أسواق العبيد، وذلك وفقًا للرواية الآيسلندية.
وقد فتحت هذه الحملة الجريئة الأبواب أمام بحارة ومجاهدين مسلمين آخرين، لتعود حملة جديدة انطلقت من ميناء الجزائر، وتحقق نجاحًا أكبر.
في كتاب منذ فترة طويلة: المزيد من الحكايات عن التاريخ الأيرلندي الأقل شهرة" قبض مراد رايس ورجاله على رجل يدعى جون هاكيت، عندما كان يبحر بمركب الصيد الخاصة به.
وقد عرض هاكيت عليهم أن يدلهم على القرية في مقابل إطلاق سراحه، وربما فعل هاكيت ذلك كراهية في الإنجليز الذين استوطنوا بالتيمور وطردوا الأيرلنديين منها.
لم تكن بالتيمور محصنة جيداً، وبعد أن وصلوا الميناء انتظر الطاقم حتى غروب اليوم التالي وبدأوا الهجوم على القرية، ووفقًا للكتاب فإن قوة من حوالي 200 بحار هاجموا القرية.
وقد وقع في الأسر أكثر من 100 من الرجال والنساء والأطفال، وقد أُطلق سراح الأيرلنديين وبقي الإنجليز.
وقد وصلت الحملة على القرية لنهايتها عندما قرع أحد السكان الطبول ليحذر باقي القرية، فتوقع مراد أن هناك قوة عسكرية قادمة، فترك القرية سريعًا وعاد إلى سفينته.
وعندما وصلت القوات الإنجليزية علمت بما ارتكبه هاكيت وأعدمته، ووصل إلى أسواق العبيد في الجزائر حوالي 98 طفلًا وامرأة و20 رجلًا، أما الباقون فمصيرهم غير معلوم.
في 1627 رحل مراد رايس عن الجمهورية، وبدأت النزاعات الداخلية تدب بين الهورناتشوس والموريسكيين والسكان الأصليين.
وبقي الوضع هكذا حتى سيطر الرشيد بن علي الشريف على مصب أبي رقراق سنة 1666، لتكون هذه السنة هي بداية النهاية بالنسبة للجمهورية
التي سقطت تمامًا في أيدي السلطان الرشيد الشريف سنة 1668، لتنتهي قصة جمهورية سلا.
المصادر: ساسة بوست – BBC Arabic - موقع "يا بلادي"
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.