لطالما أخفت الأمثلة والأقوال الشعبيّة قصص غريبة في طياتها، فبعضها يحمل الفكاهة وبعضها الآخر يحمل أحداث مثيرة للتشويق من تاريخ الأمم
هذه الأمثلة والقصص يأخذ منها القارئ عبرة ويستشف منها حكماً لحياته اليومية كما في هذه القصص المشوقة في السطور التالية.
في أحد الرحلات البحريّة وفي ليلة عاصفة بدأت السفينة الشراعيّة تتأرجح بينما الرياح تعصف، وأخذ الموج يعلو؛ ليُمزّق أحد الأشرعة، فشعر الركاب بالخطر وأخذوا يرتجفون
إلّا أبا الفتح ذلك الرجل الذي لم يتأثر، بل كان جالساً بهدوء وسكينة والابتسامة تغطي شفتيه، قالوا له: ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: بلى، غير أن معي خرزات تحميني من أي مكروه.
فمال لهم إلّا أن تعجبوا وهرعوا إليه متوسلين أن يعطيهم البعض منها، فنثر مسبحته داخل جيبه وقال لهم كل خرزة بدينار، فنقده كل راكب ديناراً
ونجت السفينة ونزلوا إلى البر فـ سألوه عن سر الخرزات، فقال لهم: "يا مجانين لو غرقنا فلا أحد سيحاسبني، ولو نجونا سأكون قد حصلت على الدنانير، وها قد نجونا والحمد لله".
عند انشغال الشخص بعمل شيء وانهماكه الشديد فيه، حتى وإن جاءه أمر آخر أشد أهمية، فإن هذا هو وقت ضرب المثل القائل: "اليوم خمر وغداً أمر".
وقائل هذا المثل هو الشاعر الجاهلي امرؤ القيس الذي كان من قبيلة اسمها كندة اليمن، وكان أبوه هو الملك حُجر، وقد طرده وأقسم بألا يقيم معه، فذهب امرؤ القيس وهام
بوجهه في أحياء العرب هو ورفاقه، فكان إذا صادفه صيد ذبحه وأكله هو ومن معه، وعند الانتهاء من الصيد وأكله كان يشرب الخمر مع رفاقه حتى أتاه خبر مقتل أبيه.
وكان والده قد أوصى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بأن يعطى الملك من بعده لمن يأخذ خبر موته دون أن يجزع، ولما سمع أبناؤه خبر قتل أبيهم جزعوا جميعاً إلا امرؤ القيس
فقد كان في مجلس مع رفاقه يلعب النرد ويشرب الخمر، وعندما علم بخبر وفاة أبيه لم يهتم لما قيل، وأكمل لعبه، وطلب من رفيقه أن يرمي النرد، فلما لعب قال له:
"ما كنت لأفسد عليك لعبك"، ثم نظر إلى الناعي وقال: "ضيعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً، لا صحو اليوم، ولا سُكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر".
وأخذ امرؤ القيس يشرب الخمر كثيراً حتى أفاق، وأخذ على نفسه عهداً بألا يأكل ولا يشرب خمراً، ولا يقرب النساء حتى يثأر لأبيه.
إنّ مثل "وافق شن طبقة" من الأمثال العربية المشهورة، التي تُقال عندما يتوافق تفكير شخصين، أو عندما يكون هناك تفاهم وانسجام في الأفكار بين الأزواج.
ولهذا المثل قصة مشهورة، إذ تدور قصة المثل حول رجل من العرب يدعى شنًّا، وقد اتخذ له رفيقا في سفر، وبينما هما في طريقهما قال شن لرفيقه "أتحملني أم أحملك؟"
فعجب رفيقه من السؤال وتجاهله، ثم مرا بزرع فسأل شن بعض الناس "أأُكل هذا الزرع أم لم يؤكل؟"، فتعجب منه رفيقه أكثر
وبعد حين مرا بجنازة فسأل شن أحد المشيعين "أحيّ صاحب النعش أم ميت؟"، وتعجب رفيقه للسؤال كل العجب وكتمها في نفسه.
وعندما وصلا إلى بلدة رفيقه دعاه إلى المبيت عنده فمضى شن معه، دخل الرجل إلى مكان النساء في البيت فوجد ابنته تعد الطعام واسمها طبقة، فقال لها
"ضيفنا يسأل أسئلة لا معنى لها" وقص عليها القصة، فقالت له ابنته "أتحملني أم أحملك معناه أتحدثني أم أحدثك كي ننسى تعب السير"
وأضافت "الزرع الذي أُكل يكون صاحبه قد استوفى ثمنه مقدما فلن يأكل منه عند الحصاد"، ثم قالت "الميت يكون حيا إذا خلّف عَقبا".
فخرج الرجل إلى شن وقال له "سأخبرك بتفسير أسئلتك" وأخبره، فسأله شن "من أخبرك بهذا؟"
فأجباه "ابنتي طبقة"، فخطبها شن وتزوجها، وباتت العرب منذ ذلك اليوم تقول: "وافق شن طبقة".
المصادر: الجزيرة – صحيفة سبق
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.