يجب أن يعلم كل عاشق للسيارات أن الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، وستظل على هذه الحال طالما أن صانعي السيارات تجذبهم إليها العمالة الرخيصة والحوافز والتسهيلات التي تقدمها لهم الدولة.
غير أن الجانب السلبي لهذا الانفجار الاقتصادي والصناعي الحابس للأنفاس، هو الزيادة المستمرة لأعداد السيارات التي تنزل إلى الطرقات في الصين، حيث تشير التقديرات الأخيرة في سنة 2018 إلى أن إجمالي السيارات في الصين كلها بلغ 250 مليون وحدة، التي تتركز 5 ملايين وحدة منها في منطقة بكين وحدها.
سنوياً، يشتري الصينيون 14 مليون سيارة، بينما تنطلق 650 ألف سيارة في الطرقات كل شهر، وهي أرقام مخيفة، إنها كمن يقول: ”في بكين يجب على كل شخص أن يملك سيارة، لا بل أن يصنعها أيضاً“، وكما يجول بخطارك بالفعل، فقد تعرض أحد الشوارع الهامة في الصين لأكبر زحام مروري في التاريخ والذي استمر 12 يوماً.
حاولت السلطات منع المواطنين من شراء الكثير من السيارات، وذلك في محاولة رامية إلى خفض التلوث والحد من الازدحام المروري الخانق، لكن مساعيها لم تأت في معظمها بأي ثمار.
فرضت الدولة على سبيل المثال على سكان بكين ممن يملكون سيارات أن يتركوها في منازلهم على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، وذلك كما قلنا يهدف إلى خفض حدة الازدحام المروري الذي يعاني منه البلد.
ومع ذلك تشير التقديرات إلى أن السائق الصيني يقضي بين ثلاثة إلى أربعة ساعات يومياً عالقاً في الازدحام المروري، وذلك راجع في معظمه لأعداد السيارات الكبيرة.
وقد حدث ما لم يكن في الحسبان في نهاية المطاف في شهر أغسطس بالتحديد من سنة 2010، حينما توجت الصين بلقب ”ملكة الازدحامات المرورية بدون منازع!“، حيث حدث في بكين أطول ازدحام مروري في التاريخ، الذي امتد على مسافة 100 كيلومتر ودام 12 يوماً.
حدث كل هذا في الطريق السريع الرابط بين بكين والتبت بالقرب من العاصمة بكين، وكان السبب في هذا الازدحام المروري هو بعض الأشغال التي كانت تتم على مستوى الطريق السريع.
علقت الشاحنات التي كانت تنقل إمدادات البناء والأشغال عند مخرج الطريق السريع، ومنه تسببت في زحمة مرورية دامت لمدة 12 يوماً كاملاً.
صمم هذا الطريق السريع في البادئ من أجل أن تستخدمه الشاحنات فقط، لكن بسبب العدد المتزايد للسيارات النفعية، تم السماح للجميع باستخدامه أيضًا.
وبما أننا هنا نتحدث عن الصين، فلا توجد هناك أية إحصائيات واضحة عن عدد السائقين الذين علقوا في هذا الازدحام، وبدل ذلك قالت بعض التقارير التي نشرت على الإنترنيت آنذاك أن السيارات كانت تتقدم بسرعة 3 كيلومترات في اليوم وهو أمر جنوني بالفعل.
غير أن هذا الازدحام كان له جانب إيجابي على السكان المحليين المقيمين بجوار الطريق السريع، على سبيل المثال استغل بعضهم الفرصة وراح يبيع الغذاء والماء للسائقين العالقين بأسعار مضاعفة، حتى أن بعض السائقين فضّل الجوع على شراء هذه السلع الباهضة.
ليس بالأمر الهيّن أن تعلق في زحمة مرورية لمدة 12 يومًا متواصلا، وعلى الرغم من أن بعض السائقين كانوا يحملون معهم بعض الطعام والسجائر احتياطًا، فكان لابد للجميع من أن يشتري الماء على الأقل.
للأسف، لدى الازدحامات المرورية تأثير سلبي جداً على صحة السائقين، ومن الأمراض التي تتسبب بها نذكر ”متلازمة قلق الازدحام“؟ الذي هو مرض نفسي يصيب السائقين ويجعلهم يشعرون بالخوف في كل مرة يجدون أنفسهم عالقين في ازدحام مروري، وكنتيجة على هذا، قد يلجأ بعضهم إلى حركات متهورة ويتسبب في حوادث خطيرة.
بالطبع حاول الصينيون الذين يعيشون في منطقة الاختناق المروري استغلال الوضع لصالحهم قدر الإمكان، فرفعوا أسعار السلع التي يبيعونها بأضعاف، مع تقارير تشير إلى أن سعر كوب من الماء وصل إلى 0.4 دولار.
إذا كان السائق يشعر بجوع شديد، كان يتعين عليه دفع مبلغ لا يقل عن 0.3 دولار مقابل بيضة واحدة، بينما كان المدخنون أسوأ من تعرض للاستغلال، حيث بيعت لهم العلبة الواحدة من السجائر بسعر 8 دولارات.
على الرغم من ذلك، كان سائقو الشاحنات الناقلة للسلع أكثر من عانى في هذه الأزمة، حيث كان بعضهم يتعرض للنهب ليلاً، كما كان بعض السكان المحليين يسرقون الوقود من خزانات شاحناتهم وهم نيام، حتى أن بعض هؤلاء السائقين المساكين حاول ردعهم فتعرض للطعن على مستوى الذراع.
في مجهود لمحاولة ردع هؤلاء اللصوص، أرسلت السلطات أكثر من 400 شرطي إلى المنطقة، لكن إيقافهم كان لا يزال أمراً صعباً للغاية خاصة أثناء الليل.
مما يثير الدهشة، لم يرغب أحد من السائقين المغادرة، وعلى الرغم من أن بعض الشاحنات كانت محملة بالخضر والفواكه التي كانت معرضة للتلف، رفض سائقوها الالتفاف والعودة أدراجهم وذلك بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
قال أحد سائقي شاحنات نقل الخضر والفواكه لجريدة Global Times: ”لقد تم نصحنا بالالتفاف والعودة أدراجنا، لكنني أفضل البقاء هنا بما أنني في حالة ما عدت أدراجي سيتعين علي السفر لمسافة أطول مما يزيد من تكاليف ونفقات الرحلة“، وهو الأمر الذي يبين بدقة السبب الذي جعل هذا الازدحام البالغ طوله 100 كيلومتر يدوم لمدة 12 يوماً كاملاً!
كان لعب الورق الطريقة الوحيدة الفعالة لتمضية الوقت، على الرغم من أن المداومة عليها لمدة 12 يوماً كان يبعث على الملل بالتأكيد.
فضّل بعض السائقين الآخرين القراءة، بينما قضى آخرون وقتهم نائمين تحت شاحناتهم في محاولة لإحباط سرقة وقودهم من طرف اللصوص.
غير أن موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية لا تعتبر ازدحام بكين المروري هو الأطول في التاريخ، بل تُرجع هذا الرقم القياسي لازدحام مروري حصل في فرنسا في الطريق السريع الرابط بين مدينة (ليون) و(باريس)، والذي امتد على مسافة 175 كيلومتر سنة 1989، والسبب في وقوعه هو سوء الطقس والعدد الكبير للسيارات في الطريق.
هل تتساءل ما إذا كانت السلطات قد أرسلت الماء والطعام للسائقين العالقين في الازدحام الصيني؟ لا توجد أي تقارير رسمية بهذا الصدد، لكن باعتبار تذمر السائقين من ارتفاع أسعار الماء والطعام الذي يبيعهم إياه السكان المحليون يمكننا الجزم بأمان بأنهم لم يحصلوا على شيء من طرف السلطات.
توقعت السلطات أن يدوم هذا الازدحام لمدة شهر كامل، لذا كان السائقون الذين تمكنوا بطريقة ما من شق طريقهم ببطء خارج هذه المنطقة خلال 12 يوماً محظوظين للغاية.
خلاصة القول، عليك عزيزي القارئ أن تتوقف عن التذمر حول تلك الدقائق العشرة الإضافية التي تقضيها في الازدحام المروري في بلدك كل يوم عندما تقصد مقر عملك أو عندما تكون عائدا منه، وفكر قليلا في السائقين الذين علقوا في زحمة مرورية لمدة 12 يوما كاملة بدون طعام ولا ماء.
المصدر: موقع Auto Evolution
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.