أوروبا المتعطشة للطاقة لن تمد يدها لروسيا بعد الآن.. كيف ستبيع تركيا الهيدروجين الأخضر إلى القارة العجوز؟
منوعاتتراهن أوروبا على الهيدروجين الأخضر لتعزيز إمداداتها من الطاقة، وسط أزمة الطاقة العالمية، بالإضافة إلى مخاوف وقف ضخ إمدادات الطاقة الروسية للأسواق جراء الحرب في أوكرانيا، ولكن هل يمكن لتركيا تصدير الهيدروجين الأخضر إلى القارة العجوز؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل، يجب معرفة أولًا موقف أنقرة، إذ تشغل مكانة بين أكبر 5 دول في أوروبا -ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا- من خلال السعة المركبة للطاقة المتجددة، كما تحتل المرتبة رقم 12 عالميًا.
الهيدروجين الأخضر وهناك أمر آخر، وهو مساعي تركيا لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الواردة من الخارج عبر الخطوات التي اتخذتها في مجال الطاقة المتجددة مؤخرًا، لذا يرى خبراء أنه يمكن لأنقرة تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا في المستقبل، بحسب تقرير نشره موقع تي آر تي هابير التركي.
وفي الوقت نفسه، في حين 25% في المتوسط من إنتاج الكهرباء عالميًا يأتي من مصادر الطاقة المتجددة، فإن عام 2020 كان شاهدًا على وصول نسبة الطاقة النظيفة في مزيج توليد الكهرباء لدى تركيا لما يقارب 43%، ما يعني أن أنقرة تفوق المتوسط العالمي.
هل يمكن لتركيا -حقًا- تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا؟
وبالعودة إلى السؤال الرئيس: هل يمكن لتركيا -حقًا- تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا؟ تأتي الإجابة في 5 نقاط محددة على لسان مستشار الطاقة في وزارة الشؤون الخارجية التركية، جانير جان، وفق ما نقله موقع تي آر تي هايبر.
تتمثل النقطة الأولى في أين تقع تركيا من عملية تحول الطاقة -في حين العالم على وشك تحول مهم في مجال الطاقة- وهنا تُجدر الإشارة إلى انضمام أنقرة -مؤخرًا- إلى اتفاق باريس للمناخ، وتستهدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2053.
ومن بين الدلائل على تحول تركيا نحو الطاقة النظيفة، إستراتيجية البلاد الناجحة من خلال مصادر الطاقة وتنوع المسارات التي تسلكها، فضلًا عن امتلاك بنية تحتية للطاقة هي الأقوى في منطقتها، بالإضافة إلى الإمكانات الجادة في مجال الطاقة المتجددة، وكذلك من المقرر إدراج الطاقة النووية في مزيج الطاقة التركي.
من المؤكد أن الهيدروجين سيكون لاعبًا جديدًا ومهمًا في تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الجاري، وهذه واحدة من أهم القضايا حول العالم، وتواصل تركيا العمل لشرح إستراتيجيتها الوطنية للهيدروجين في المستقبل القريب، وهو ما يوضح النقطة الثانية.
وبينما يستخدم الهيدروجين في توليد الكهرباء، فإنه جارٍ العمل على استخدامه في عمليات النقل والتخزين.
ويقول جانير جان: “من الممكن إنتاج الهيدروجين الأخضر بانبعاثات غازات الدفيئة تقترب من الصفر عبر مصادر الطاقة المتجددة”، ما يعني أنه يمكن لتركيا الاستفادة من الهيدروجين الأخضر إلى جانب تحول الطاقة في البلاد وإمكانات الطاقة المتجددة وكفاءتها.
الهيدروجين النظيف وفق تقرير أصدرته منظمة غير حكومية ومقرها إسطنبول، من الممكن أن يصل إنتاج تركيا السنوي من الهيدروجين الأخضر إلى 3.4 مليون طن بحلول عام 2050، مع زيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج إمدادات الكهرباء الحالية ووسط الاستثمارات اللازمة.
وبالنظر إلى أن استهلاك أنقرة من الهيدروجين الأخضر قد يقتصر على 1.9 مليون طن على أقصى تقدير حتى حلول منتصف هذا القرن، فإنه يمكن لتركيا تصدير ما يتراوح بين 45 و60% من إنتاجها.
ويعني ذلك أنه يمكن أن تبيع تركيا ما يتراوح بين 1.5 ومليوني طن من الهيدروجين الأخضر الذي ستنتجه إلى الدول الأوروبية، وهذه هي النقطة الثالثة.
ويمكن نقل الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب، وهنا يظهر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول “تاناب”، وهو الممر الرئيس للغاز عبر الجنوب، وبالتالي يمكنه تعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا، كما يمكن تصدير الهيدروجين عن طريق النقل البحري من خلال تحويله مباشرة إلى الأمونيا.
وفي هذا الشأن يقول جان: “سيكون لإنجازات تركيا في مجال الهيدروجين الأخضر تأثير مضاعف في منطقتنا”.
ترتبط تركيا مع أوروبا بشبكة لنقل الكهرباء منذ عام 2015، ما يعني أن هناك تبادلًا للكهرباء بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، ومن ثم يمكن لأنقرة تصدير فوائض الكهرباء للقارة العجوز عندما تكون متاحة.
وبحسب تقرير صادر عن هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية (EPDK)، فإن ما يقرب من 95% من إجمالي صادرات البلاد للكهرباء، والبالغة 279 تيراواط/ساعة، حصلت عليها اليونان، في حين استوردت بلغاريا نحو 4% من الكهرباء التركية.
ومن الممكن تطبيق هذا التعاون المهم بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي في مجال الكهرباء، كذلك في تجارة الهيدروجين والأمونيا، كما يتوقع جانير جان -وهنا تكمن النقطة الرابعة-.
يتمتع الهيدروجين الأخضر بأولوية وأهمية كبرى من حيث تحقيق الأهداف الطموحة التي وضعها الاتحاد الأوروبي في إطار الصفقة الخضراء، حسبما أفاد جان، مع تأكيد الحاجة إلى استثمارات وخطط جادة.
ويستهدف الاتحاد الأوروبي إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، فإن تحقيق مثل هذا الهدف الطموح من جانب الاتحاد الأوروبي يتطلب استيراد الهيدروجين الأخضر من الدول المجاورة.
وبالنظر إلى عدم توافر البنية التحتية في مجال الغاز الطبيعي بما يكفي في مناطق شرق وجنوب شرق أوروبا، تبرز أهمية التعاون المزمع إقامته مع تركيا في هذا المجال، وهذه هي النقطة الخامسة.
وكذلك، من شأن التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي في مجال الهيدروجين أن يخلق أنشطة اقتصادية، ويعزز الوظائف مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري لدول المنطقة كافة.
ويقول جانير جان: “كل ما سبق يوضح أن تركيا تبرز لاعبًا وشريكًا رئيسًا، من أجل ضمان تحول الطاقة بشكل مستدام في أوروبا”.
مع تزايد الدعم الذي تقدّمه تركيا في الطاقة المتجددة، توقّع تقرير أن تتمكن من إنتاج 3.4 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، بحلول عام 2050، وسط مساعيها إلى تعزيز قدراتها من الطاقة النظيفة.
وبحسب تقرير أعدّه مركز “شورا” لتحوّل الطاقة بالتعاون مع مركز بيلكنت لأبحاث سياسة الطاقة، فإن استثمار 4 مليارات دولار سنويًا، سيكون مطلوبًا لتمكين التصنيع المحلي، وهو ما سيضيف نحو 8 مليارات دولار للاقتصاد التركي، بحلول عام 2050.
وتشير التقديرات إلى أنه بحلول 2050، سيكون لدى تركيا طلب مرتفع على 1.9 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، نتيجة لاستبدال الهيدروجين الأخضر بـ 10% من الوقود الأحفوري في قطاعات التصنيع والغاز الطبيعي والنقل، حسب موقع إنرجي نيوز.
خطط تركيا للهيدروجين
تسعى كثير من دول العالم للوصول إلى الحياد الكربوني عام 2050، بالاستناد إلى الهيدروجين الأخضر حلًا مشتركًا لإزالة الكربون من أنظمة الطاقة بالكامل، وبصفتها إحدى الدول الموقّعة على اتفاقية باريس، تحتاج تركيا إلى أهداف أكثر استقرارًا في مجال المناخ وتحوّل الطاقة، للمدة ما بين 2030 و2053، بالنظر إلى أنها قبلت الاتفاقية.
ويهدف توقيع تركيا إلى إيجاد استخدامات محتملة للهيدروجين الأخضر، من أجل فهم الاستهلاك المحلي بشكل أفضل، وكذلك آفاق التصدير المحتملة من خلال دراسة نمو الطلب على الطاقة في 81 منطقة تركية من الآن حتى عام 2050.
مجلس الهيدروجين الدولي
قال رئيس جمعية الطاقة العالمية مراد ديليك، إن الهيدروجين أحد أشكال نقل الطاقة، ويجب إنتاجه من مصدر خارجي، لافتًا إلى أن التكلفة العالية لإنتاجه كانت من أهم العقبات التي تحول دون تحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
وأضاف: “بينما انخفضت تكلفة الهيدروجين الأخضر المتجدد بنحو 80% خلال العقد الماضي، زادت تكلفة الهيدروجين التقليدي بنحو 30%.. وعندما تنظر إليه اليوم، لا يوجد الكثير”.
وأوضح ديليك أن مجلس الطاقة العالمي خلص إلى أنه في عدد من الدول الأوروبية، بدأ نشر الغلايات المركبة التي تعمل بواسطة الهيدروجين، بجزء من برنامج تجريبي، وفي مثال، قال، إنه من المتوقع أن تتوسع قدرة إنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم بنحو 1000 ضعف، بحلول عام 2040.
ولفت إلى أن أهم علامة على الأهمية المتزايدة للهيدروجين، هي حقيقة أن مجلس الهيدروجين، الذي تأسس عام 2017 بـ 13 عضوًا من 20 دولة، نما ليصبح اليوم 130 عضوًا.
وتابع: “المثير للدهشة أن من بين هؤلاء الأعضاء شركات نفطية عملاقة، وهو أمر نادر في هذه الصناعة، فخلال السنوات العديدة المقبلة، ستتوسع أهمية الهيدروجين تدريجيًا”.
اتفاقية باريس للمناخ
في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت تركيا على لسان رئيسها، أمام الأمم المتحدة، عزمها المصادقة على اتفاقية باريس للمناخ خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول.
وبعدها صدّق البرلمان التركي بالإجماع على مشروع قانون بالموافقة على انضمام أنقرة إلى اتفاقية باريس، إذ نشرت الجريدة الرسمية التركية قانون المصادقة على الاتفاقية، ليدخل بذلك حيز التنفيذ رسميًا.
وتعدّ اتفاقية باريس للمناخ أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ، جرى التوصل إليه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015 بالعاصمة الفرنسية خلال مؤتمر الأطراف الـ 21، وذلك بعد مفاوضات مطوّلة بين ممثلين عن 195 دولة.
تركيا تنضم إلى اتفاقية باريس للمناخ.. رسمياً
ووقّعت حتى الآن على الاتفاقية 197 دولة عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، ولكن المصادقة عليها لم تجرِ في برلمانات إريتريا، والعراق، وإيران، وليبيا، واليمن.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الطاقة ـــ خبر بوست