كثيراً ما نتساءل عن سبب الفرق الكبير بين تفكير الرجل والمرأة, والاختلاف الواضح في معالجة جميع الأمور وتناول موضوعاتها.
فللرجل نظرة للحياة تختلف اختلافاً وثيقاً عما تراه المرأة ومن جميع الزوايا, وأيضاً نلاحظ الفرق حتى في طريقة الحزن والفرح بل والتعبير عن المشاعر والأحاسيس.
وهذا ما جعلنا نتساءل على عقود طوال إلى أي مدى قد يكون الاختلاف بين دماغ الرجل والمرأة, وهل تؤثر حقاً تلك الاختلافات في تفاوت الابداع في مختلف نواحي المعيشة.
فقد كان هناك دوماً انطباع عالمي بأن هناك ما يُسمى بـ"دماغ ذكوري" و"دماغ أنثوي"، وهو ما تسبب في تأثيرات كبيرة على كيفية تعاملنا مع الأولاد والبنات والرجال والنساء في الظروف المختلفة.
وحقيقة ًمعظم الاختلافات ترجع إلى اختلاف الحجم في الدماغ بين الذكور والإناث.
اختلافات في وصلات دماغ الرجال والنساء
وفقاً لموقع Healthline للصحة والمعلومات الطبية، أن بالفعل هناك اختلافات كبيرة بين أدمغة الرجال والنساء، ولكن لا توجد فجوة قابلة للقياس في معدل الذكاء بين الجنسين، أو فيما يتعلق بالمهارات والسلوكيات.
وفي واحدة من أكبر الدراسات لفحص الاتصالات الدماغية، وجد الباحث الأمريكي راجيني فيرما وزملاؤه في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا اختلافات كبيرة في توصيلات أدمغة الرجال والنساء.
وباستخدام تقنية جديدة نسبياً تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي للانتشار (dMRI)، على 949 شاباً وفتاة، وتمكن الفريق من تتبع كيفية اتصال مناطق مختلفة من أدمغتهم ببعضها البعض، ومدى اتساع كل اتصال.
وبشكل أساسي، ينقسم الدماغ إلى نصفين. ووجدت دراسة فيرما أن الرجال لديهم روابط أكثر داخل كل نصف في الدماغ، كما يملكون رابطاً بين مناطق التخطيط واتخاذ القرارات ومناطق البصر والكلام في المخ.
من ناحية أخرى، تتمتع النساء بمزيد من الروابط بين نصفي الدماغ وبعضهما، ما يسمح لهما بمشاركة المعلومات بسهولة أكبر فيما بينهما.
ووجدوا أنه في المخيخ، الجزء المسؤول عن فيزياء الدماغ وحاسة الحركة، كان العكس صحيحاً، كان لدى الرجال روابط أكثر بين نصفي الدماغ، وكان لدى النساء المزيد من الروابط داخل كل جزء.
اختلافات طفيفة بسبب الحجم على الأغلبومع ذلك، تشير مجلة Science Direct للأبحاث العلمية، إلى أنه لا توجد سمات دماغية شاملة على مستوى الأنواع تختلف بين الجنسين.
بل إن الدماغ مثل الأعضاء الأخرى، كالقلب والكلى، وهي متشابهة بدرجة كافية ليتم زرعها بين النساء والرجال بنجاح كبير، دون أن تتسبب في مشكلات لاحقة أو اختلافات جذرية لم يتم حسابها.
وفي دراسة علمية بقيادة ليز إليوت، عالمة الأعصاب بجامعة روزاليند فرانكلين الأمريكية، كانت أول من دمج هذا البحث الواسع النطاق في توليفة واحدة ضخمة.
وتوضح الباحثة: "تختلف أدمغة الرجال والنساء اختلافاً طفيفاً، لكن النتيجة الرئيسية هي أن هذه الفروق ترجع إلى حجم الدماغ، وليس بسبب الجنس".
الدراسة الكبيرة التي جمعت نتائج العديد من الأبحاث الأخرى في ذلك المجال، ونُشرت بمجلة Neuroscience and Biobehavioral Reviews، وجدت أن الحجم هو الاختلاف الوحيد الواضح والأبرز بين الذكر والأنثى.
إذ إن أدمغة النساء أصغر بحوالي 11% من أدمغة الرجال، بما يتناسب مع حجم أجسامهن. وفي حين تسمح الأدمغة الأصغر بميزات معينة، مثل نسبة المادة الرمادية مقابل المادة البيضاء فتكون أعلى قليلاً، تصبح هناك نسبة أعلى من الاتصالات بين نصفي المخ مقابل داخلهما.
والأهم من ذلك، لا يمكن لأي من هذه الاختلافات المتعلقة بالحجم أن تفسر الاختلافات السلوكية المعروفة بين الرجال والنساء، مثل التعاطف أو المهارات المكانية أو الحدس وغيرها.
ولأنه عادة ما يتم تضخيم أي اختلاف بين دماغ الرجل والمرأة، فجدير بالذكر أن المميزات القليلة التي تختلف بشكل موثوق محدودة للغاية، مثل حجم اللوزة، وهو جزء بحجم الزيتون من الفص الصدغي، وهو مسؤول عن السلوكيات الاجتماعية العاطفية، الذي يكون أكبر بنسبة 1% فقط لدى الرجال، عبر الدراسات المختلفة.
دحض لدراسات أخرى زعمت اختلافات خطيرة
تدحض الدراسة السالف ذكرها أيضاً وجهة نظر طويلة الأمد، مفادها أن أدمغة الرجال أكثر اتساعاً من أدمغة الإناث، ما يعني أن كل نصف مخي يعمل بشكل مستقل لديهم، في حين يُقال إن نصفي مخ النساء أكثر ارتباطاً، ويعملان بشكل متزامن مع بعضهما البعض.
وبحسب الباحثة ليز إليوت، فإن مثل هذا الاختلاف يمكن أن يجعل الذكور أكثر عرضة للإعاقة، بعد إصابات الدماغ مثل السكتة الدماغية.
وهنا مرة أخرى يُظهر إجماع العديد من الدراسات أن الاختلاف ضئيل للغاية، حيث يمثل ذلك أقل من 1% من نطاق الاتصال بين اليسار واليمين.
تتفق هذه النتيجة مع مجموعات البيانات الكبيرة، التي لم تجد أي فرق بين الجنسين في فقدان القدرة على الكلام، أو فقدان اللغة، بعد السكتة الدماغية في النصف المخي الأيسر، على عكس الاعتقاد السائد.
تأثير اختلاف نسب المادة الرمادية في الدماغ بين الجنسينتوجد المادة الرمادية على طول سطح تجاعيد وثنيات الدماغ، وتشكل العقد الحاسوبية في المخ. بينما يتم العثور على المادة البيضاء في داخل الدماغ، وهي تشكل الروابط بين العقد.
وقد وجدت دراسة أخرى نُشرت بمجلة The Journal of Neuroscience لعلم الأعصاب، أنه مقارنة بالحجم الكلي للدماغ، فإن النساء لديهن مادة رمادية أكثر من الرجال، والرجال لديهم مادة بيضاء أكثر.
ولكن على الرغم من أن النساء لديهن نسبة أعلى من المادة الرمادية، فإن الرجال لديهم 6.5 أضعاف كمية المادة الرمادية في المناطق المتعلقة بالذكاء، والنساء لديهن تسعة أضعاف المادة البيضاء.
وكانت الفروق بين الرجال والنساء أكبر في الفص الجبهي، المسؤول عن التخطيط طويل الأمد واتخاذ القرار وضبط النفس.
كما وجدت دراسة أجريت عام 2014، لباحثين بجامعة بنسلفانيا بتصوير أدمغة 428 من الذكور و521 من الإناث، ووجدوا أن أدمغة الإناث أظهرت باستمرار نشاطاً منسقاً بدرجة أكبر بين نصفي المخ.
ولكن، لماذا تختلف أدمغتنا؟
لكن لماذا تختلف أدمغة الرجال عن النساء؟ أحد الأسباب الرئيسية هو أنه خلال معظم حياتهم، كان لدى النساء والرجال إضافات مختلفة تمر عبر أجسادهم، وهو هرمون الستيرويد الجنسي، إضافة لهرمون التستوستيرون.
الأهم من ذلك، أن الذكور الذين يتطورون بشكل طبيعي في الرحم يصابون بطفرة كبيرة في منتصف الحمل من هرمون التستوستيرون، ما يؤدي بشكل دائم لتشكيل أجزاء الجسم، وأيضاً هيئة وتركيب أدمغتهم.
لذلك بشكل عام، تميل مناطق الدماغ التي تختلف في الحجم بين الرجال والنساء (مثل اللوزة والحصين) إلى احتواء تركيزات عالية بشكل خاص من مستقبلات الهرمونات الجنسية، بحسب مجلة Stanford Medicine العلمية.
ويبقى السؤال: هل الاختلافات الدماغية أساسية لتحديد اختلافات الرجال والنساء؟ الجواب قد يظل ربما، على الأقل حتى حين توافُر المزيد من النتائج البحثية ذات الصلة.
وفي حين أن العديد من الدراسات لاحظت وجود أنماط تنشيط مختلفة في الدماغ فعلاً، إلا أنها لا ترقى بالضرورة لكونها سبب الاختلافات بين الجنسين في أداء مهام بعينها.
المصدر: عربي بوست
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.