ما حقيقة وجود حواجز مائية تحول دون امتزاج مياه البحرين؟
منذ بضعة أيام صادفت سؤالاً على كورا Quora طرحه أحد الأشخاص مستفهماً إن كانت مياه المحيط الأطلنطي والمحيط الهادئ لا تمتزج بالفعل ولماذا، ولما طالعت الإجابات وجدتها متنوعةً مختلفة، منها ما نفى الموضوع مدّعياً أن الفيديوهات التي تمّت مشاركتها على الإنترنت زاعمةً بأنها بين المحيطين لا تعرض إلا حدود التقاء نهرٍ ما مع البحر،
ولما كانت المياه العذبة لا تخالط المالحة ظهرت هذه الحدود، ومنها ما ادّعى أنّها لم تكن إلا مؤثرات بصرية استخدمها المصوّر ليخدع الناس ويحقق مشاهدات عالية للفيديو، بحثت قليلاً وتوصلت إلى مجموعة من الإجابات قادتني لمجموعة أخرى من الأسئلة ومنها إلى أجوبتها هي الأخرى.
إن كان الموضوع يثير اهتمامك، فاسمح لي أن أشاركك حصيلة بحثي بين سؤالٍ وجواب.
بالنظر إلى المحيطات والبحار على الخارطة أو على مجسّم الكرة الأرضية، قد يظن المرء أنها مسطحٌ مائيٌ واحد أُطلق على أجزاءٍ منه أسماءَ مختلفة لتسهيل تحديد المواقع، إلا أنّ الأمر ليس صحيحاً بالكامل والدليل هو الحدود الواضحة بينها.
ستندهش من مدى وضوح هذه الحدود على أرض الواقع! تشبه الحدود بين المحيطين الأطلنطي والهادئ، على سبيل المثال، خطاً بين عالمين. يبدو الأمر كما لو أن المحيطين يلتقيان عند جدارٍ غير مرئيّ لا يسمح لمياه أحدهما بالتّدفق إلى الآخر.
من خلال اختلاف لونيهما. في الواقع المياه ليست واحدة في كلّ الأجسام المائية، ومياه أي سطحٍ مائي تختلف عن مياه السطح الآخر بالكثافة، التركيب الكيميائي ودرجة الملوحة، وهذا ما تسبب باختلاف لونيهما وخلق شعوراً بوجود حاجزٍ غير مرئيّ بينهما.
المستكشف الشهير جاك كوستو عندما كان يغوص بعمقٍ في مضيق جبل طارق، حيث بدت طبقات المياه ذات الملوحة المختلفة وكأنّها مقسمة بشفافية وكان لكل طبقةٍ نباتاتها وحيواناتها الخاصة.
في الواقع، على الرغم من عدم قدرتنا على رؤيته إلا أنّه يوجد حاجزٌ بينهما يدعى كلين cline وهو الحاجز غير المرئي بين المجسمات المائية ذات الخواص الفيزيائية والبيولوجية المختلفة. الهالوكلين أكثرها روعةً وتظهر عندما يكون الماء في المحيط أو البحر أشدّ ملوحة بخمس مرات على الأقل من البحر أو المحيط الذي يجاوره.
يمكنك إنشاء خط هالوكلين في المنزل بسكب بعض ماء البحر أو الماء المالح الملون في كوب ثم إضافة بعض الماء العذب فوقه.
الاختلاف الوحيد هو أن خط الهالوكلين الخاص بك سيكون أفقياً، وخط هالوكلين المحيطين عمودياً.
لما كانت مياه المحيطين مختلفة وجب أن تصعد مياه المحيط الأقل كثافة فوق المياه الأكثر كثافة. هذا ما تعلمناه في حصص الفيزياء في المدرسة أليس كذلك؟ وإن صح هذا، فحاجز الهالوكين يجب أن يكون أفقياً وليس عمودياً، لمَ لم يحصل هذا مع المحيطين؟
هذا السؤال هو أول ما تبادر إلى ذهني عندما قرأت تعليل الاختلاط مبنياً على اختلاف الكثافة وكان الجواب أن الاختلاف بين كثافتيهما أقل من أن تصعد مياه أحدهما فوق مياه الآخر وأكبر من أن تختلطا.
التحليلات السابقة منطقية وكافية عندما ينظر لها بشكل آني أو لو كنا نتحدث عن جسمين صلبين ولكنّنا نتحدث عن آلاف السنين وعن سوائل. كيف لم تقم التيارات المائية والأمواج المستمرة بخلطهما تدريجياً؟
الجواب هو قوى القصور الذاتي المعروفة باسم قوة كوريوليس التي يظهر تأثيرها بشكل واضح فقط خلال فتراتٍ زمنية طويلة.
قوى القصور الذاتي تعني أنّ كلّ جسمٍ مادي قاصرٌ عن تغيير حالته من السكون أو الحركة ما لم تؤثر عليه قوةٌ تغير من حالته. ولمّا كانت الأرض تتحرك وتؤثر على كل الأجسام فإنّ الأجسام الموجودة على سطح الأرض لا تتحرك بشكل مستقيم،
بل تنحرف في اتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وعكس اتجاه عقارب الساعة في الجنوبي وهذا كان سبب اختلاف اتجاه التدفقات في المحيطين، ولما تعارض اتجاها تدفقهما لم تختلط مياههما.
هناك أسباب أخرى لعبت دوراً في منع الامتزاج مثل اختلاف قوة التوتر السطحي بين مياه المحيطين، تسبب هذه القوة تماسك جزيئات المادة مع بعضها البعض وباختلاف شدتها بين مياه الأطلنطي والهادئ، منعت امتزاجهما.
بالإضافة إلى الخطوط الحرارية التي تتشكل بين سطوح المياه ذات درجات الحرارة المختلفة والخطوط الكيميائية التي تنتج عن التركيب الكيميائي المختلف للمياه. كل هذه القوى شكلت حاجزاً منع اختلاط مياه المحيطين.
في الواقع هناك الكثير من الأمثلة التي تضيف سحراً إلى سحر العالم المائي نذكر منها:
يلتقي هذان البحران بالقرب من مدينة سكاجين الدنماركية ولا تمتزج مياههما بسبب اختلاف الكثافة بينهما. يمكنك أن ترى أمواج البحار تتصادم مع بعضها البعض في بعض الأحيان، مشكّلةً رغوةً شديدة البياض ومع ذلك، تمتزج مياههما تدريجياً، وهذا هو السبب في أن بحر البلطيق قليل الملوحة. لولا هذا الامتزاج، لكان بحر البلطيق بحيرةً ضخمةً بمياهٍ عذبة.
يجتمعان عند مضيق جبل طارق دون أن يمتزجا بسبب اختلاف ملوحتهما وكثافتهما.
يلتقيان في نقطتين مختلفتين، إحداهما أشدّ روعةً من الأخرى. الأولى بالقرب من جزر الأنتيل حيث تبدو نقطة الالتقاء ملوّنة بظلال مختلفة من اللون الأزرق، والأخرى في جزيرة إليوثيرا في جزر البهاما. تبدو عندها مياه البحر الكاريبي فيروزيةً صافية ومياه المحيط الأطلنطي زرقاء داكنة.
لا أدري ما حاجتنا للسحر إن كان العالم المائي وحده قادراً على سلب عقولنا بروعته. إن كان لديك تفسيراً علميّاً آخر يتعلق بهذه الظاهرة الرائعة أو كان لديك تساؤلاً فلا تتردد بمشاركته معنا قد نجيب عنه في مقالٍ آخر.
المصدر : موقع أراجيك
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.