تراجعت أسعار القمح والذرة بشكل حاد في الأيام الأخيرة نتيجة التأثير المشترك للطقس الملائم للزراعات، والأمل الذي أثارته فرضية إقامة ممرات بحرية لإخراج الحبوب من أوكرانيا. فهل ستنخفض الأسعار أكثر؟
انخفضت أسعار القمح في مجلس شيكاغو للتجارة للجلسة الثانية على التوالي اليوم الأربعاء (الأول من حزيران/ يونيو 2022)، إلى أدنى مستوى لها في شهرين تقريبا، إذ تأثرت إيجابيا بالمحادثات الدبلوماسية الرامية لفتح الموانئ الأوكرانية، في حين زاد هطول الأمطار في الولايات المتحدة عبر السهول الضغط على الأسعار ودفعها للانخفاض.
واقتفت الذرة أثر القمح، فانخفضت أسعارها إلى أدنى مستوى في تسعة أسابيع. واستقرت أسعار فول الصويا، بدعم من توقعات بتوسيع المواد الداخلة في إنتاج الوقود الحيوي في الولايات المتحدة لتشمله.
وللمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع، انخفض سعر القمح تسليم أيلول/سبتمبر إلى ما دون 400 يورو للطن في بورصة "يورونكست".
وأوضح غوتييه لو مولغا، المحلل في شركة "أغريتل" أن "ثلاثة عناصر رئيسية تفسر ذلك: انخفاض الطلب في مواجهة مستوى الأسعار الجنوني، وتحسن ظروف النمو، خصوصا في الولايات المتحدة"، والأمل الذي أثارته "المناقشات حول إقامة ممرات بحرية" في أوكرانيا حيث ما زال هناك 20 مليون طن من الحبوب تنتظر التصدير.
وبعد ثلاثة أشهر من الحصار، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه مستعد للتعاون مع تركيا لتأمين حرية شحن السلع في البحر الأسود بما فيها "صادرات الحبوب الآتية من الموانئ الأوكرانية".
ويريد الأوروبيون أن يضعوا "الممرات الآمنة" تحت رعاية الأمم المتحدة بغية تقديم "ضمانات أمنية مشروعة" لأوكرانيا التي ينبغي أن تبدأ إزالة الألغام من ميناء أوديسا. لكنّ هذه الألغام التي زُرعت بهدف الدفاع عن المدينة ومنع أي هجوم بحري روسي، تحول دون مرور ناقلات البضائع والسفن.
وقال أندريه سيزوف المدير الإداري لشركة الاستشارات الزراعية الروسية "سوفيكون"، "أشك في أنه في ظل الظروف الحالية يريد الكرملين مساعدة الاقتصاد والزراعة في أوكرانيا. يمكنهم (الروس) اتخاذ مبادرة والسماح لبعض السفن بمغادرة موانئها، لكن ذلك لن يمثل سوى جزء ضئيل من احتياطات الحبوب".
وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن أحد كبار ممثلي الأمم المتحدة، التي تحاول التوسط في اتفاق لتمكين تصدير كل من الحبوب الأوكرانية والأغذية والأسمدة الروسية، أجرى "مناقشات بناءة" في موسكو.
ولا يزال التجار يتوخون الحذر بشأن حدوث انفراجة دبلوماسية، إذ تدعو موسكو إلى تخفيف العقوبات مقابل معاودة فتح الموانئ الأوكرانية، وهو مطلب ترفضه كييف وحلفاؤها الغربيون.
وجاء رد فعل السوق أيضا على واقع "أن الاتحاد الأوروبي يريد محاولة نقل كمية أكبر من الحبوب (الأوكرانية) برا وتحسين البنى التحتية" من أجل القيام بذلك، كما أوضح مايكل زوزولو رئيس "غلوبل كوموديتي أناليتكس".
بيد أنه أضاف "كون الحكومات الغربية تحاول تحسين النقل البري هو، بالنسبة إليّ، مؤشر على أنها تخلت عن نقلها عبر البحر الأسود"، خصوصا أن الدول الـ27 وافقت للتو على حظر تدريجي لواردات النفط الروسي فيما لا تزال موسكو تطالب برفع العقوبات.
وأشار المحللون أيضا إلى أن السوق تفاعل مع تراجع كمية البذور الأوكرانية بمقدار الثلث بالنسبة إلى القمح، والنصف بالنسبة إلى الذرة، رغم أن هذه الكميات أفضل مما كان متوقعا في فترة حرب. ورغم انخفاضها في الأيام الأخيرة "ستبقى الأسعار مرتفعة حتى نتأكد من إمكان تصدير هذه المحاصيل"، كما قال فرانك تشولي من "آر جيه أو فيوتشرز".
وبالنسبة إلى أندريه سيزوف "المفارقة هي أن المزارعين الفرنسيين والأميركيين يستفيدون من هذا الوضع، على عكس المزارعين الروس". وأوضح: "مع فرض الضرائب (على الصادرات) العام الماضي، تحصل الدولة على 70 % من الدخل الذي يزيد عن 200 دولار للطن من القمح. واليوم، يخسر المزارعون الروس 30 % من عائداتهم بسبب هذه الضريبة".
وتوقّع إدوار دو سان دوني الوسيط المالي في شركة "بلاتورو وشركاؤه"، "سيحتاج الأمر إلى محصولين تقريبا على المستوى العالمي لإيجاد مستوى من التوازن، سيستخدم محصول العام المقبل لإعادة تكوين المخزونات، لذلك ارتفعت الأسعار لبعض الوقت". وتابع "الكرة في ملعب أوروبا التي يمكنها أن تخفف بعض العقوبات لتجنب حدوث مجاعة (في إفريقيا خصوصا)، أو تشديدها أكثر لتقييد الروس".
من جانبها، قالت رابطة الحبوب الأوكرانية الأربعاء إنه من المتوقع أن تشهد أوكرانيا تراجعا في إنتاج القمح بنسبة 40 % لموسم 2022-2023 فيما يتوقع أن تنخفض الصادرات بنسبة 50 % بسبب الحرب مع روسيا.
وفي هذا الصدد، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء من ستوكهولم "اتخاذ إجراءات حاسمة" من أجل ضمان "تدفق مستمر للغذاء والطاقة" فيما تزعزع الحرب في أوكرانيا استقرار الأسواق العالمية للمواد الأولية.
وقال غوتيريش خلال مؤتمر صحافي في ستوكهولم إن الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا "تثير أزمة عالمية ثلاثية الأبعاد، الغذاء والطاقة والموارد المالية، وهو ما يؤثر على الشعوب والبلدان والاقتصادات الأكثر ضعفا".
المصدر: أ ف ب
تساعدك أداة محول العملات على تحويل قيمة أي عملة إلى أي عملة أخرى.